أعلم - قبل أن أتكلم - أن موقفي بينكم حرج شديد الحروجة! لأني سأنفرد برأي لا يقرني عليه أحد من زملائي، وما أحسب أحدا منكم سيقرني كذلك! فكلمة (الملكة) مقرونة في أذهانكم باسم (فاروق) وبئس القرين! ولكن أجور أن تعلموا أننا لا نضع دستورا لليوم فقط ولكننا نضعه للأجيال القادمة أيضا: وليس كل الملوك فاروقا، وفي الملوك - كما في الناس جميعاً - الصالح والطالح، وقد بقي النظام الملكي حتى اليوم في بلاد عريقة كإنجلترا وسويسرا والنرويج، برغم أن الإنجليز شنقوا من ملوكهم واحدا وطردوا آخر! وليس النظام الجمهوري - كما يتصور البعض - ضمانا قاطعا من الظلم والطغيان، فقد أدى في أمريكا مثلا للدكتاتورية دائماً! إن حول رئيس الجمهورية الأمريكية وزراء ولكن لا رأي لهم ولا وزن لكلامهم ورأيه هو الأعلى دائماً. وإن إلى جانب رئيس جمهورية فرنسا رئيس وزارة هو بمثابة دكتاتور فعلي للبلاد، وإن الجمهورية في فرنسا هي سبب الاضطرابات والقلاقل والهزات المالية التي تنتابها دائماً. إنني لا أشبر بغير النظام الملكي على ألا يكون فاسداً مفسداً كالذي رأيناه، فكيف نضمن ذلك؟ إنكم مسئولون إلى حد كبير عن هذا الفساد الذي استشرى في بلادكم، وكيفما تكونوا يول عليكم، وقد أعطيتم الملكية درسا قاسيا لن تنساه قرنا - على الأقل - من الزمان، ولن تكون الملكية طاغية في مصر بعد اليوم.
وأعقبه الدكتور مصطفى الحفناوي فقال:
من حق الشعوب - يا سادة - أن تختار لون الحكم لنفسها بنفسها مستندة في ذلك على حقها في الحرية والاستقلال وهو حق لا يسقط بالتقادم ولا يجوز أن يباشر بالإنابة، فما النظام الذي يختاره الشعب؟ سواء عندنا أن يسمى رئيس الدولة ملكا أو رئيس جمهورية، ولكن يجب أن يكون الحكم ترجمة لشعور الأمة وضمانا لتوزيع العدل بين آحادها.
ونحن لا نستطيع أن نستند في اختيار لون الحكم على سوابق الدول الأرى، فالدساتير كالنبات ينمو هنا ويذيل هناك، وإذا أردنا الإبقاء على الملكية فمن يكون الملك؟ أنبقى على هذه السلالة العلوية وإن الصالح لا يخرج من صلب الفاسد أبداً؟ أنقدم التاج لهذه الأسرة ونكرر تجربة ذقنا منها الأمرين مائة وخمسين عاماً؟ إن الأمر يجب أن ينتهي إلى الأمة فتنتخب هي رئيسها وتعزله إذا رأت منه اعوجاجا، فيكون أمرها إليها لا إليه. ولذلك فلا