أمر النساء في كل حال عجيب. وإذا كان أحد من الرجال يفهمهن - كما ينبغي أن يفهمهن - فأنا والله بهن جاهل. ولي العذر، فما أراهن يفكرن في شِأن على نحو ما أفكر أنا أو يتناولنه من الناحية التي أتناوله منها. وأحسب أن هذا الضرب من الجهل هو الوحيد الذي لا يعيب المرء أو يسقط قيمته أو يزري به. قالت لي مرة فتاة من معارفنا:(ما قولك؟) قلت: (خير إن شاء الله! نعم يا ستي!) قالت: (هل يشغلك شيء غداً؟) قلت: (إذا كنت تعنين بالشيء العمل فإنه لا ينقطع؛ على أن أمري بيد الله ثم بيدي فأشيري كيف تأمرين، والعوض على الله) قالت: (اسمع. نريد. .)
قالت:(الجو في هذه الأيام بديع. . تهيئ لنا زورقاً حسناُ نظيفاً مريحاً، نركبه في النيل ونقضي يومنا كله على متن الماء، ونتغذى فيه أو في إحدى (المقاتات) التي نمر بها في طريقنا)
قلت:(اقتراح جميل، ولكن. . أنا وحدي أكون معكن؟ وفي خدمتكن؟ ارحمن تينمي يا فتيات!)
فقالت:(تستطيع أن تدعو فلاناً وفلاناً)
فدعوتهما وأعددنا الطعام ومررنا بهن فحملناهن إلى قصر النيل حيث كان الزورق ينتظر، ولم ألق إليهن نظرة حتى نزلن من السيارة وشرعن ينحدرن إلى مكان الزورق؛ فدهشت، فقد كانت ثيابهن زاهية نظيفة مكوية، بل كانت أفخر وأبرع ما رايتهن فيه، فتناولت ذقني بيدي وقلت:(هيه. . . نهارك أسود يا أبا خليل) ولم أكد أهز رأسي هزتين حتى نادتني إحداهن فنظرت إليها مستفسراً فقالت: (خذ بيدي فإني أخشى أن أزل وأقع على التراب أو تغوص قدمي فيه) فسألتها وأنا أتناول يدها:
(أين تحسبين نفسك؟ في سباق الخيل؟ ما هذه الثياب التي لبستها؟)