للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

قالت وهي تحني رأسها لتنظر إلى قدميها: (مالها؟ ألا تعجبك؟)

قلت: (تعجبني وتعجبني. . ولكنها لن تعجبك بعد نصف ساعة في الزورق)

ولا أطيل. ركبن، ووثبنا نحن وراءهن فأشرنا إليهن أن يجلسن فنظرن إلى المقاعد - ولم يكن بها سوء والله - متأففات مترددات فنفضنا لهن التراب الموهوم عن الحشايا المطروحة على المقاعد. وصحيح أنها ليست وثيرة جداً، ولا جميلة المنظر، ولكنها نظيفة. غير إن فتياتنا تبادلن نظرات تنبئ بالامتعاض ولا تنبئ بالرضى، ثم انتهين بأن جلسن متلاصقات جداً محاذرات أشد الحذر؛ وكان لابد أن أغضى عن ذلك فليس ذنبي إنهن جئن في ثياب لا تصلح إلا على الأرض اليابسة، وناولت أحد إخواني مجدافا وأخذت أنا الآخر، وتركنا الدفة لثالثنا، وقام الملاح فدفع الزورق عن الشاطئ بالمردى، ثم بدأنا نجدف، وكنت أضرب الماء برفق شديد حتى لا يطير منه شيء، ولكن رشاشاً منه كان يصيبهن على الرغم من ذلك فيصرخن ويتلاغطن ثم يتدانين ويعبسن ويمسكن عن الكلام ولا تبقى لهن عين يدرنها في المناظر التي جئن لينعمن بالنظر إليها

وأخيراً قال الذي بيده الدفة: (خذ أنت الدفة واعطني المجداف)

فلم أتردد في القبول فما كان يسرني أن أكون سبب التنغيص. واتخذ صاحبي مقعده وراح يضرب الماء بعنف فيتعالى الصراخ فلا يعني بأن يلتفت إليهن ولا يزيد على أن يقول وهو يضحك: (لا بأس! سينشف الماء ثم يفرك الوحل فلا يبقى شيء. . .) وقد حرن ماذا يصنعن لاتقاء هذا المطر، وكنت ربما ضحكت إذ أراهن يخرجن مناديل في سعة الكف وينشرنها على حجورهن كأنما من الممكن أن تستر شيئاً.

وأخيراً بلغنا مكاناً دنونا من شاطئه، وقال الملاح: إن الأحسن أن يجر الزورق بالحبل. وقام فاخرج حبلا طويلا شده إلى الزورق ووثب إلى الشاطئ وراح يجر، وقعد أحدنا عند الدفة ليضبط الزورق فلا يجنح أو يلصق بالأرض. فعاد إلى الفتيات البشر وانطلقت ألسنتهن وان كن لم ينسين موجدتهن علينا لما أصابهن من البلل. ثم تهامسن ونهضن وجعلن يصحن بالملاح وهو بعيد لا يسمع ونحن نسألهن ماذا يبغين وهن لا يباليننا أو يجبننا. وسمع الملاح فوقف وارتد إلينا، وإذا بهن يردن أن يتولين هن جر الحبل أو (اللبان) كما يسميه النواتيه. فنصحنا لهن آلا يفعلن وحذرناهن وأنذرنهن فأبين إلا أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>