يفعلن، وفي ظنهن أن هذا أسلم لثيابهن، وأشرح لصدورهن وأجلى للصدأ وأجلب للصحة أيضاً، فتركناهن يفعلن وأدنينا لهن الزورق من الشاطئ وحملناهن واحدة واحدة إلى الأرض. فذهبن يجرين إلى أول الحبل حيث تركه الملاح ودفعنا نحن السفينة إلى الماء مرة أخرى وكنا نراهن فإذا باثنتين منهن يتناولان الحبل معاً وكانت الثالثة تدور حولهما ولا تصنع شيئاً فمرة تكون أمامهما وتارة تكون خلفهما وهكذا، فانتهى الأمر بأن التف الحبل على سيقانهن جميعاً فصرخن ووقفن يحاولن تخليص أرجلهن مما أحاط بها فخلصت أرجلهن ولكن الحبل صار على صدورهن وأعناقهن، والزورق يضطرب بنا ونحن نحاول أن نضبطه بالمجداف. واستطعن أخيراً وبعد لأي وصراخ فظيع أن يتجنبن شنق أنفسهن، فتهامسنا بأن أولى بنا أن نسكت وندعي الجهل بما حدث وأن ننظر ماذا يصنعن بعد ذلك. ويظهر أنهن خجلن أن يقلن شيئاً فعدن إلى الحبل واستأنفن جره فحمدنا الله ولكنهن كن يمشين شيئاً، ثم يقفن فجأة وعلى غير انتظار منا، فيضطرب بنا الزورق فناديناهن، فلما تنبهن إلى أننا نريد أن نكلمهن وقفن وأقبلت علينا واحدة منهن وقفت بعيداً وأشارت إلينا تسألنا عما نريد، فصحت بأعلى صوتي:(لا تقفن) فقالت ويدها على أذنها: (إيه؟) فقلت لصاحبي: (صوتكما أقوى فكلماها وأفهماها أن الوقوف يضايقنا ويتعبنا، ففعلا. فلما عرفت ما نريد بدأت تسألنا هل نحن مسرورون، وهل هن يحسن جر الحبل؟ فأثنينا على براعتهن، وامتدحنا حذقهن، وأكدنا لهن أن الدولة حين تحتاج إلى ربابنة ونواتية للسطول فانهن سيكن خير المرشحات أو خير أساتذة المدرسة البحرية. وكنا نرجو أن تعود إلى زميلتها فيستأنفن جر (اللبان) ولكنها تذكرت أن بها حاجة إلى منديل مما في حقيبتها فأخرجناه لها وحملناه إليها فذهبت به وإذا بثانية تعود وتصيح بنا أنها هي أيضاً تحتاج إلى منديل فناولناها إياه، وبد لها أن الثالثة قد تطلب منديلها فيحسن أن تأخذه له على سبيل الاحتياط، فأجبناها إلى ماطلبت، فذهبت ثم عادت وقالت إن الثالثة لا تريد المنديل فهي ترده لنضعه حيث كان فاطعنا ومضت، وبعد دقائق أخرى عادت الثالثة تقول: إنها رأت أن الأحسن على كل حال أن تأخذ المنديل، فدعونا الله أن يعيننا على الصبر وأعطيناها المنديل فذهبت وأوعزنا إلى الملاح أن يلحق بها وأن يتولى هو الحبل ولا يدع للفتيات إلا المظهر