نحن في الشرق، وما أعني سوى الشرق العربي، مجلي ثقافتنا وقوميتنا، لا يهمنا سوى إيجاد الطفل، ولم نزل مسيرين بعقلية القبائل الغازية فنطمح إلى إيجاد الأطفال دون مبالاة بما تؤثر منابتهم عليهم.
إن خير ما تستثمر به المرأة للخير العام إنما هو استثمارها أطفالاً يصلحون لتكوين الأمة القوية أجساماً والسليمة عقولاً، وما النهضة المتجلية بين العدد القليل من بنات الشرق بالنهضة التي يصح أن نراها نهضة عامة متغلغلة في قلب الشعب نفسه؛ فالمجتمع لم يزل في الشرق العربي بأسره يتبع الإفراط والتفريط في تكوين الأسرة، فالمرأة عندنا اثنتان: ضحية استبداد الرجل، وضحية الضلال والغرور بنفسها لضعف الرجل إزاءها.
ليس لنا إلا إلقاء نظرة على ما حولنا ليأخذ بصرنا مشهدين هما مقتل الأمة وعلة دمارها.
المشهد الأول: شاب يفتش عن فتاة لتكون أماً لبنيه، قيل له إن في إحدى الأسر الشريفة فتاة بيضاء اللون أو سمراء، واسعة الأحداق طويلة القامة فاتنة ساحرة فسعى في أثرها متوسلاً إلى أهلها بكفاءته، فأصبح زوجاً للمجهولة، نكرة ضمت إلى نكرة. . . . فلا يطول الزمن حتى يظهر التنافر الخفي الكامن في الفطرتين فتبدأ المآسي التي تختتم على الأغلب بإهداء المجتمع أطفالاً تيتموا وآباؤهم وأمهاتهم لا يزالون على قيد الحياة. وهنالك الأسر المتعددة لرجل واحد امتنع عليه العدل المشروط فأهدى المجتمع الأخوة الأعداء، وما يبر بأبيه من كان لأخيه عدواً. . .
المشهد الثاني: فتاة في ربيع الحياة، مقصومة الشعر، غلامية تصادر وتباطن أي رجل كان، مهتوكة الستر، محولة هيكل الإنسانية إلى مهبط غواية وطيش، إن لم يتجاوز عدد مراقصيها المئات، عدت مقصرة في ميدان الثقافة، متأخرة في حلبة الحضارة والارتقاء، لا يصل قلبها إلى من تقف عنده وتختاره زوجاً لماله أو لجاهه إلا بعد أن يكون هذا القلب قد تقطعت أعشاره خفوقاً، فهي إذ ذاك كالنعجة التائهة راجعة إلى حظيرتها بعد أن تركت قطعاً من صوفها، وقد تكون تركت قطرات من دمها على أشواك الطريق. . .