وقع في يوم أول أكتوبر الجاري حادث عظيم في الصحافة الإنكليزية بل في الصحافة العالمية بأسرها، فقد اختفت جريدة (المورنن بوست) أقدم الصحف اليومية الإنكليزية، وفقدت كيانها المستقل لتندمج في منافستها القوية جريدة (الديلي تلغراف). ومنذ أول أكتوبر تصدر الديلي تلغراف باسمها الجديد وهو (الديلي تلغراف والمورنن بوست) ونستطيع أن نقدر أهمية هذا الحادث الصحفي متى علمنا أن (المورنن بوست) قطعت إلى اليوم مائة وخمسة وستين عاماً من حياتها المستقلة، وأنها لبثت مدى حياتها الطويلة دائماً من أعظم الصحف البريطانية وأقواها نفوذاً. وقد أنشئت المورنن بوست في سنة ١٧٧٢، واستمرت تصدر بانتظام حتى اليوم وكانت نزعتها دائماً دستورية محافظة، ولكنها كانت تصطبغ دائماً بنزعة استعمارية وإمبراطورية عميقة، وكانت دائماً أشد الصحف البريطانية معارضة للسياسة التحررية، ومن ثم فقد كانت أشد خصومة لسياسة الحكم الذاتي سواء أكان في أرلنده أو الهند كما كانت من أشد خصومة للحركة الوطنية المصرية وللمعاهدات المصرية الإنكليزية. أما جريدة (الديلي تلغراف) منافستها القديمة ووراثتها اليوم فقد أنشئت في يونيه سنة ١٨٥٥، على يد أسرة لادسون الشهيرة، واستمرت تحت إشرافها وإدارتها حتى سنة ١٩٢٨إذ انتقلت ملكيتها من اللورد برنهام آخر أصحابها من أسرة لادسوف إلى اللورد كامروز صاحبها الحالي. وكانت الديلي تلغراف أول جريدة إنكليزية بيعت ببنس واحد (أربعة مليمات) وهو ما أعتبر يومئذ مغامرة صحفية جريئة لأن الصحف كانت تباع يومئذ بأربعة إلى خمسة بنسات، وكان صدورها في أربع صفحات فقط. أما اليوم فهي تصدر في اثنتين وثلاثين صفحة من القطع الكبير وتباع أيضاً ببنس واحد.
ونشأت (الديلي تلغراف) حرة في نزعتها السياسية، وكانت تناصر سياسة جلادستون في أواخر القرن الماضي، ولكنها تطورت في اتجاهها السياسي شيئاً فشيئاً حتى غدت محافظة اتحادية وأخذت تشاطر منافستها القديمة نزعتها الاستعمارية، ولكن بأسلوب أكثر اعتدالا وأقل تطرفاً، وجمعت الديلي تلغراف أقطاب الكتاب في أواخر العهد الفكتوري، وتألق فيها نجم طائفة كبيرة من أعظم الصحفيين؛ وتولت الأنفاق على بعثة استانلي الاكتشافية سنة