ويعود سلافان إلى وحدته المريرة اللذيذة، ويستدير أعوامه الأربعين، وقد شغل بتحديد وجهته في الحياة، فهو يقول عن حياته في تيك الأعوام:(أربعون سنة ولم أفعل شيئاً: ولو مت هذا المساء ما استحققت أن يذكر أسمي على لسان، ولا أن تبقى صورتي في ذاكرة. ليتني لا أموت هذا المساء! دعاء أرفعه إلى الفضاء، أو قل إنني أسأل القدر، ما دمنا لا نعرف غيره، فما أظن أن الدعوة الحارة لا تجد صدى ولو لفظت في الصحراء). وهو ينظر في أمره كله ويقبله على جميع وجوهه، حتى إذا أستقبل عامه الأول بعد الأربعين كان
قد أستقر عزمه على أن يتأ له أو يكون قديساً، فهو يبدأ (يومياته) ليسجل خطواته في هذا السبيل.
ولكنه لا يؤمن بالدين، فهو لا يريد أن يكون قديساً كقديسي الكنيسة، بل يريد أن يحيا حياة القديسين، يريد أن ينعم بلذة الفضيلة، يريد أن يرفع الفضائل النفسية - في ذاته هو - إلى أوج من العظمة. وهو يرى أنه بهذا يفي بحاجة من حاجات العصر: حاجته إلى قديسين، فقد كان لكل عصر قديسوه، ولكنه لا يرى لهذا العصر قديسين.
ويأخذ في جهاد نفسه جهاداً منظماً، يدونه في (يومياته) وكلما خرج من معركة من هذه المعارك النفسية وجد نفسه مريضاً أو مستغفلاً، أو محتقراً. . . ووجد أنه لم يبلغ من فضائله المنشودة شيئاً. وذلك لأن قديسي العصور القديمة كانوا يمارسون فضائلهم معتمدين على إيمان وثيق بالله واليوم الآخر، كانوا يعتقدون أن الحق في جانبهم، وإن الله معهم، فكان في أعماقهم ثقة وأطمئنان وجلال. أما هو فلا يؤمن بقوة خارج نفسه، ولا يبحث في جهاده إلا عن نفسه، ففضائله تبدو سخيفة مضحكة، إذ يعوزها الوسط الذي لا تنشط إلا فيه، وكأنما هو رجل يحرك شفتيه بالغناء فلا يتجاوز غناؤه حنجرته.