ويتمنى سلافان أن يؤمن، ويرتاد الكنائس، ويعترف، ولكنه يحس في هذه التجارب كلها شيئاً من الصدق. إنما هي حركات وأقوال لا تصدر من قلوب قائليها، ولا تصل إلى قلوب سامعيها. هي اشبه بالبقايا المتحجرة من عصور إنسانية بائدة.
ويكتب إلى قس بروتستنتي يسأله النصح لروح ضالة، فيكتب اليه كتاباً موجزاً ذا رقم وتاريخ، ويحدد له ساعة يلقاه فيها بعد أسابيع. . . . ويقابله في مكتب كمكاتب رجال الأعمال، وإذا هو امام قس يرشد الارواح الضالة (بالجملة)، على طريقة الإنتاج بالجملة، ويرد الإيمان إلى النفوس الحائرة بأحدث أساليب التحليل النفسي.
لا يستطيع سلافان، إذا، أن يكون قديساً. وتنتهي هذه التجربة الأليمة بمرض طويل في مستشفى مجاني، دخله على أثر حمى أصابته لأنه قدم معطفه وحذاءه - في الشارع وفي ليلة من ليالي الشتاء - إلى أفاق لئيم، لم يجد ما يعطيه إياه، فآثر أن يقدم اليه كساءه على أن يحتمل نظرة الشك التي صوبها اليه.
ويخرج سلافان من المستشفى وقد كسبته هذه التجربة نوعاً من الهدوء، ولكنه ما زال يبحث. . . يبحث بالمعنى المطلق لهذا الفعل، كما يقول. ويهديه البحث إلى (نادي شارع ليونيه)، وهو ليس بناد على الحقيقة، إنما هو حانوت إسكاف فقير يجتمع فيه بعض الشيوعيين الثوريين الذين يدعون إلى مجتمع جديد. يجتمعون فيه خفية حيث يتباحثون في مشاكلهم ويدبرون أموهم، وليس سلافان واحداً منهم وإنما هو في اصطلاحهم (عاطف) وكما يقول أحدهم: (من أولئك المثقفين الذين ينزلون إلى الشعب. طراز ١٩٠٠). فهم لا يطلعونه اذاً على كثير من أسرارهم، ولكنه يفهم أنهم يطمحون إلى حياة أسعد، ويراهم يعيشون عيشة خشنة، ويعلم أنهم يلاقون ألوان الاضطهاد، ونفسه نزاعة إلى السمو، ذواقة للألم، فبينما هو يفكر أن يلقى بنفسه في تلك النار، يعلم من أمرهم ما لم يكن يعلم، فهم ثوريون فنيون، لا يبالون كثيراً بالفرد، لأن همهم تغيير المجتمع، وإنما يأتي صلاح الفرد بعد صلاح المجتمع، عندئذ تنفر منهم فرديته فيقول لهم:(إنني لا أسمح لنفسي بأنتقادكم، وأغلب ظني أنكم ما دمتم مقدمين على هذا الأمر فيم ما يدعوكم إلى ذلك. ولكنكم تستطيعون أن تغيروا ما يسمى النظام، وتستطيعون أن تخلفوا الطبقة الحاكمة، تستطيعون أن تغيروا كل شئ ولكنكم إذا لم تغيروني أنا ٠أنا سلافان مثلا - فإنكم لم تغيروا شيئاً!).