فإذا سأله سائل منهم:(ولماذا تلح هكذا في تغيير نفسك؟) أجاب في صوت خفيض ولكنه واضح يسمعه الجميع: (لأني. . . لأني جبان).
ويعكف وحده على هذه الفكرة يديرها في نفسه حتى ينتهي فيها إلى نوع من الفسلفة. إنه يريد أن يغير روحه، ولكن ليس في ذلك شئ من المغالاة ولا تكليف الأمور غير طبائعها، بل أنه تجربة معقولة. فروحه لست إلا أربعين سنة من الحوادث والأفكار والإشارات والأقوال. إنها الحي الذي يعيش فيه، والمنزل الذي يسكنه، وملابسه وأثاث بيته، وزوجه وأمه العجوز. إن ما يسميه روحه هو ذلك العالم المألوف الذي يضغط عليه ويخنقه، والذي هو أن يرفعه عن عاتقه ويطوح به.
ولكن سلافان لا يفارق أصحابه الثوريين حتى يدهمهم البوليس ويقضي ليلته في السجن. ويعود إلى داره في صبيحة ذلك اليوم ليجد أمه تهلك أسى. . .
كأنما أنفسح له المجال لينفذ مشروعه الجديد، فهو يودع زوجته بخطاب قصير، ويمضي ليجرب أن يكون رجلا آخر غير سلافان. وقد تعلم هذه المرة ألا يطمح إلى أفعال رائعة. .
لن يحاول أن يكون قديساً، بل يكفيه أن يكون إنساناً، يخفف آلام المنكوبين من البشر، وما أكثرهم! فتراه في القصة الأخيرة (كما هو) يعيش في الجزائر بأسم (سيمون شافجران)، وكيلا لشركة (فونوغرافات)، وقد حلق لحيته واستبدل بنظارته المعدنية عوينات ذهبية الإطار، وأصبح يحظى بإجلال عارفيه لأنه لا يفتأ يضرب الأمثال على تضحيته وإيثاره وحبه للإنسانية. فهو قد أنقذ صبية صغيرة من بين عجلات القطار في مرسيليا، وقد تبرع بدمه لجريح، وتطوع لتمريض المصابين بالطاعون. ثم هو يرعى خادمه (مختاراً) ويعلمه القراءة والكتابة ويحاول أن يثنيه عما هو منغمس فيه من قبيح العادات. إذن فقد أصبح يمارس أعمال الخير حقاً، ولم يعد يجرب أكتساب الفضائل بطرق خيالية. ولكنه على ذلك كله غير راض عما يفعل! لماذا؟ إنه غير مجرد من كل تفكير جماعي، فلعله يرى أن طيبته وإنسانيته لم تخففا شيئاً من آلام الناس. ولكنه لم يقدم على هذه التجربة الكبيرة لينقذ الإنسانية، بل أراد أن ينقذ الإنسانية في نفسه اولاً، بأن يكون إنساناً فاضلا فيما يأتي وما يدع، عن سليقة وعادة لا عن تفكير وإرادة. وهو يرى أنه لم يبلغ من ذلك شيئاً. فهو يرتد ثانية إلى نفسه، ويصارح صاحباً له: (كيف يستطيع المرء ألا يكون إلا ما هو؟ وكيف