ظن الأستاذ نقولا الحداد أننا تهكمنا حين قلنا له ما فحواه: إنه محتاج إلى أن يراجع مصادره الفلسفية.
وسيرى الأستاذ الآن أننا نجد ولا نتهكم حين نقول له أكثر من هذا: إن مرجعته لمصادره العلمية ألزم وأعجل، ولاسيما مصادره عن أينشتين الذي يلوح على الأستاذ الحداد أنه يريد أن يتكلم عنه في مصر كما يتكلم الحواريون عن رسلهم المختارين.
في شهر يونيو سنة ١٩٣٠ ألقى العلامة أينشتين في جامعة نوتنجهام - بإنجلترا - محاضرة علمية كان لها دوي كبير في المعاهد العلمية والفلسفية، لأنه ألمع فيها إلى خاطرة جديدة يحاول أن يفسر بها اتصال القوى بين الأجسام بغير الوسائط المفروضة، وتحدث عن جوهر الفضاء، أو مادة الفضاء، أو المادة الفضائية لأن التجارب الكثيرة لم تثبت للأثير المزعوم وصفاً من الأوصاف لا ينطبق على الفضاء. فمن المحتمل على هذا التقدير أن يكون الفضاء جوهراً مادياً لا نحتاج معه إلى فرض الأثير.
ولم يكن إينشتين أول من قال إن الفضاء ليس بخلاء؛ فإن الفلسفة القديمة التي يحاول الأستاذ الحداد أن يترفع عنها، قد سبقت إلى القول بامتناع تصور الخلاء في الوجود، وقال معظم أساطينها بأن الفضاء لا يعني العدم ولا يعني الخلاء.
قلنا هذا للأستاذ الحداد فعاد يكتب في الرسالة قائلاً - بكل ثقة واطمئنان -: إن إينشتين لما قال عنى المكان المشغول بالمادة ولم يعن الفراغ المطلق. فمتى قلنا المكان عنينا مكاناً مملوءاً بالمادة.
والعجب أن يخطر للأستاذ الحداد - أو لغير الأستاذ الحداد - أن جامعة من الجامعات تدعو عالماً من أكبر علماء الأرض إلى المحاضرة فيها فيقول للناس أن المقصود بالمادة الفضائية هي المادة التي توجد في المكان.
والعجب أن يخطر للأستاذ الحداد - أو لغيره - أن المعاهد العلمية تهتز لهذا النبأ وتوفد الرسل إلى إينشتين لتحصل على المزيد من شرح هذا الرأي الجديد.