أما الأوضاع الاجتماعية في الشرق العربي فقد شغلت الشاعر شغلاً عنيفاً حتى أتعبته، فقد دار بعينيه فيما حوله فوجد العطب يدب في كل مكان، والظلم يخنق الرقاب بقيد حديدي ثقيل، وقد تعددت مظاهر الفساد، فلم تقتصر على شكل واحد، واختلفت أماكن الداء فلم تخيم في بقعة واحدة ولكنها سلاسل ممتدة مشدودة، لا تجد الرقاب ولأيدي والأجل منها بعض الفكاك، والجواهري لا يفرد النواحي الاجتماعية بقصائد خاصة تكشف عن مساوئها الخاطئة، بل يقرن الشغب السياسي بالفوضى الاجتماعية في قصائده الملتهبة، فلولا الانحطاط الاجتماعي الشائن في الشعوب المحتلة، ما وجد المستعمرون وأذناهم ماء عكرا للصيد، ولولا فساد الساسة وأنانية القادة ما رزحت الدول تحت كابوس ثقيل من الجهل والمرض والحرمان! وكان شاعر الفرات يتأوه تأوها مريرا لما تقابل به صيحاته من دس واتهام، فقد علم المستعمر أذنابه أن يقاوموا حركات الإصلاح في كل شعب، فكل ناصح مخلص ثائر مخرب، وكل مدافع عن دينه ووطنه هدام ثوري يدين بالمبادئ الخطيرة المتطرفة، حتى التبس الأمر على السواد، ودفعهم الجهل إلى التردد في قبول النصائح وإحلالها محلها من القبول والانصياع.
وقد كانت الشيوعية - ولا زالت - أقرب تهمة وأيسرها على المحتلين وأشياعهم، فما يكاد أحد في الشرق العربي ينطق بكلمة في الاصلاح، حتى يتهم اتهاما خطيرا بما لا يقصد إليه بحال، واضطر الساسة جريا وراء مآربهم الذاتية أن يربطوا عجلتهم الضعيفة الوانية، بعجلة إنجلترا القوية السريعة، ووقف الدب الروسي رمزا للخوف والهلع والازعاج، كأن الأسد البريطاني المتوحش لا يؤذي أحدا من الضعفاء من أن ضحاياه في الشرق من تسعين