عاما قد ملأت المقابر بالأشلاء، والطرق بالدماء. ولا يزال المغرضون يفيئون إلى حنانه الكاذب وعطفه المزعوم.
شدوا بذيل غراب أمة ظلت ... تطير أن طار، أو تهوى إذا وقعا
وخوفوها بدب سوف يأكلها ... في حين تسعين عاما تألف السبعا
وضيقوا أفق الدنيا بأعينها ... بما استجدوه من بغي وما ابتدعا
وذاك معناه أن بيعوا كرامتكم ... بيع العبيد بتشريع لكم شرعا
ورغم هذه التهم الكاذبة شق الشاعر طريق الإصلاح في صلابة وإيمان، وقد حارب ببراعة المكافح في جبهات متعددة، وحمل المشعل في يده يطارد الظلام في كل مكان ساخرا بالعواصف، متحديا جميع الصعاب!
ففي جبهة أولى يقف أمام الفقر فيحلل أسبابه، ويكشف عن علله، ويرمي بنظره في هذه الكتل المتراصة في الشوارع وقد كسرها الجوع لباسا أصفر شاحبا هزيلا تمد الأيدي السائلة وتتبع الفتات في القمامات كما تتبعه الحيوانات، وتقف أمام القصور الشامخة منحية ذليلة تتطلب الكفاف مما يرمي إلى الكلاب المدللة!! وقد مسح الفقر من نفوسها معاني الكرامة والعزة والإباء، وفي داخل القصور الممردة نفوس تبترد بالخمور، وتتجمل بالحلي والعطور، وأخونة تمتد بالطيبات من المطاعم، وليالي حمراء مرنة بالقصف والرقص، مغردة بألحان الفتيان، مضيئة بوجوده الكواكب الحسان! فشتان بين أولئك وهؤلاء
عجب لخلق في المغارم رازح ... يقدم ما تجنى يداه لغانم
وأنكأ من هذا التغابن قرحة ... غباوة مخدوم وفطنة خادم
لو اطلعت عيناك أبصرت مأتما ... أقيم على الأحياء قبل المآتم
إذا أقبل الشيخ المطاع وخلقه ... من الزارعين الأرض مثل السوائم
قياما على أعتابه يمطرونها ... خنوعا وذلا بالشفاه اللوائم
حنايا من الأكداح تلقى ظلالها ... على مثل جب باهت النور قاتم
أمبتردات بالخمور تثلجت ... وبالماء يغلي بالعطور الفواعم
ومفترشات فضله في زرائب ... يوسدها ما حولها من ركائم
أمن كدح آلاف تفيض تعاسة ... يمتع فرد بالنعيم الملازم