سياسة إقفار، وتجويع أمة ... وتسليط أفراد جناة غواشم
وفي جبهة ثانية يحارب الجهل فيعلن أنه أس المصائب وشر لمحن، فلولاه ما نهش الجوع نهشا في النفوس الكادحة، ولولاه ما حيكت الدسائس والمؤامرات للشعوب في ظل من الخداع والابتسام، ولولاه ما وطد المستعمر قلاعه وأقام بناءه الراسخ، ولولاه ما أقفلت المصانع والمتاجر وأصبحت الوظيفة الحكومية مناط الآمال ومبعث الرجاء، ولولاه ما قيدت الجموع اللاغية حفاة عراة لراكب، ولولاه ما حاز أشباه الجهلة من المتعالين أسمى المناصب، وأعظم الألقاب، ولولاه ما كمت الأفواه الناطقة، واحتجزت الألسنة الصارخة عن كشف المثالب والهنات!! وأخيراً لولاه ما تدهورت الشعوب العربية إلى ما انحدرت إليه من ذلة وهوان
غزا الجهل أرض الرافدين فحلها ... كثير السرايا مستجاش الكتائب
طليعة جيش للمصائب هددت ... كرامته، والجهل أم المصائب
وما خير شعب لست تعثر بينه ... على قارئ من كل ألف وكاتب
تمشي يجر الفقر ردفا وراءه ... وأتعس بمصحوب وأتعس بصاحب
فكان لزاما أن تحوز عصابة ... تزينت بزي العلم أعلى الرواتب
وكان لزاما أن تتم سيادة ... عليه لأبناء الذوات الأطايب
وكان لزاما أن تعطل صنعه ... وأن يصبح التوظيف أعلى المكاسب
وكان لزاما أن تقاد جموعه ... حفاة عراة مهطعين لراكب
وأوجع ما يصمى الغيور مقاصر ... أطلت على محجورة في الزرائب
يبين على الحيطان شرخ نعيمها ... وتغمرها اللذات من كل جانب
وتحيا ليالي الرقص فيها خليعة ... تكشف عن سوق الحسان الكواعب
وتلك من الأدقاع تتسد الثرى ... يلاعب جنبها دبيب العقارب
والجواهري قد حارب الجهل كما تقدم محاربة عنيفة، يحمل سوطه في يده ويهوى به على النشء المثقف من المتعلمين! فيعجب القارئ بادئ ذي بدء لهذا الثائر الذي لا يرضى عن أحد، ولكنه ينصب للشاعر فيجده صاحب حق في جميع أقواله، فلا تناقض بين ما يقوله في شئ، إذ أن النشء المثقف في العراق وغيرها لم يحققوا الآمال المعقودة عليهم فقد رأوا