كانت لمصر في العصر الأموي بعض مظاهر عامة لا يستطاع إغفالها كظهور الروح القومية بين المصريين، وعلى الأخص بعد كتابة الدواوين بالعربية في عهد الوليد بن عبد الملك ابن مروان سنة ٨٧هـ بعد أن كانت تكتب بالقبطية، وما انطوى عليه هذا العمل من إقصاء القبط عن كثير من مناصب الدولة، وكانوا يقومون بجباية الخراج، وإليهم تسند الوظائف الكتابية؛ مما أدى إلى إحياء روح القومية عند القبط، ودفع بهم إلى الصياح والقيام في وجه الولاة، وما كان أيضاً من اشتداد العمال في جمع الخراج وظهور روح العصبية بين القبائل العربية، وكان لهذا العصر مزاياه ومظاهر حضارته، فقد امتاز بعض ولاته بعطفهم على القبط، فسمح مسلمة بن مخلد (٤٧ - ٦٢هـ) لهم بأن يبنوا كنيسة في الفسطاط
ولقد ولى مصر في هذا العصر رجال عرفوا بالكفاية والدراية وحسن السياسة فنشروا العدل بين الناس، وأتوا بضروب من الإصلاح تشهد بمبلغ اهتمامهم بترقية الزراعة والصناعة وفن العمارة وغيرها
ومن بين هؤلاء مسلمة بن مخلد فقد بنى بالروضة مقياساً للنيل وداراً للصناعة، ورد الروم على أعقابهم حينما نالوا البرلس، واهتم ببناء المساجد وإصلاحها، فأمر في سنة ٥٣هـ بجامع عمرو ابن العاص فهدم وبني من جديد، وأمر في السنة نفسها بابتناء منارات المساجد كلها
ولقد وفى شروط النيابة عن الإمام فكان يقيم الصلاة بنفسه طول مدة ولايته، ونظم الآذان فكان مؤذنو الجامع العتيق يؤذنون الفجر إذا مضى نصف الليل، فإذا فرغوا من آذانهم أذن كل مؤذن في الفسطاط في وقت واحد، وأمر ألا يضرب بناقوس عند آذان الفجر.
وكان عبد العزيز بن مروان من أحسن الولاة الذين حكموا مصر في هذا العصر. جاء في صحبة أبيه مروان حين جاء لاسترداد هذه البلاد من عامل عبد الله بن الزبير، وبقي فيها شهرين. ولما عزم مروان على العودة إلى الشام جعل صلاة مصر وخراجها إلى ابنه عبد