(ليعلم أعيان الأدب والعلم في مصر االتنفس منهم يثير كل
عربي في كل قطر عربي)
يسألني السيد كرد علي، ونحن في وقاعة المجمع العلمي بالشام، وحوله قلة من زملائه: ما وراءك في مصر؟؟ فقلت: أن إخوانك في مصر يعتبون عليك بقسوة إذ لم تحسن ذكرهم في مؤلفك الأخير (المذكرات) فقال: أن هؤلاء كلاب. .
تلك هي الجملة التي صدمني بها وهو مزهو يتميز في كرسيه ثم يدور به إلى الجهة اليسرى ليقابل جاره وهو يقول:(الأستاذ الحوماني يأتينا من مصر بأخبار طريفة، بينما يعود إلينا الأستاذ المغربي من القاهرة وكأنه علينا من الصين)
كنت ارقب ولو كلمة من هؤلاء الذين يحدقون بالسيد كرد علي كما تحدق البطالة متهمين مكانته شاخصين إلى وجهه حتى كأنه أرض المعبود، ولم نشأ صراحتي التي فطرت عليها أن اسكت، ثم لم يشأ لي الحق الذي ناديت عليه منذ كثبت وخطبت أن افر هذا الرئيس على زلته التي لا يتسع لها صدر الحر، ولا يجمل برجال المجمع العلمي أن يحدث مثلها في قاعة مجمعهم وهم شهود ثم يسكتون عليها - من اجل ذلك قلت له: ليس مثل هذا القول جديراً بإخوانك المصرين وفيهم من نحن مدينون لهم في علمنا وأدبنا وسياستنا؛ ولعل مصر وجهتنا الأولى وفي كل ما نتقوم به من عناصر الحياة.
فأعاد القول محتفظاً بنفس الجملة وزاد عليها: انهم لا يريدون إلا التهويش. ثم يقفل الباب ويتجه صوب السيد الهندي عباس إقبال يخوض معه في حديث كان ختام طعنه على مصر وأدباء مصر.
وكنت حريصاً على أن أتفرس في وجوه القوم لعلي أرى منهم ما يشير إلى تذمر إنكار فإذا بهم صموت يتهامسون فيما لا يمت إلى حديث رئيسهم بصلة ما، وأذ بي لا أرى شافياً لنفسي غير أن أغادر مجلسهم هذا.
وأعود إلى دأبي من الطواف على مجالس دمشق وأنديتها ومن أتوسم فيه الأدب والعلم