فوق بسيط الصحراء المترامي الأطراف، المنَّضر بتلافيف العشب الأخضر، وعلى كثب من أخبية هذا الحيّ الذي تخصص في الحب حتى ضُربت به في ذلك الأمثال! كانت سعاد أو سعدى العذريّة ترعى البهم مع ابن عمٍّ لها يُدعى سعدا في مثل سنها أو يجاوزها قليلاً
ورعى الشاء والنّعم - كما يعرف الملمون بالأدب العربي - أخصب مراتع الحب في البادية وأغزر ينابيعه، ففي ظل تلك الوحدة الصافية والخلوة المطمئنة، وبين كثبان الرمل الأعفر ولُعاب الشمس الضاحية بنجوة من فضول الرقباء ولجاجة العُذّال، انسكب هذا الفيض العلوي على القلوب، وانقدحت شرارته السحرية الأولى، وانفسح المجال - في كلاءة العفاف والتصوّن - للتعارف والتآلف والتشاكي والمناجاة! بل خُطت مصارع العشاق المتيّمين من أمثال ابن حزام وابن ذريح وابن الملوّح، واستطارت أّناتهم الدامية وآهاتهم الحِرار! التي يسميها - من لم يُدلّهه الهوى وتُدنفه الصبابة - أشعار الغزل والنسيب!
ولم يكن بدّ لسعد وسعاد أن يتحابّا جرياً على هذا العِرق الأصيل في القبيلة. وقد يقال: إنهما في بَلَه الطفولة وغرارة الحداثة؛ أجل، ولكن الحب كالسياسة ليس له قلب! فهو كما لا يوقر الكبير لا يرحم الصغير! بل لعل أبرحه وأشجاه ما ساور الأفئدة الغضة، وخامر الأكباد الرِّطاب!
وأخذ الهوى الطفل يتدرج في النمو بتدرج الحبيبين الصغيرين في العمر، حتى شارف المدى في الوقت الذي بلغت فيه سعاد سن القمر البدر! حيث خنقت الرابعة عشرة، فتفلك ثديها وتمت أنوثتها، وتحير في محياها ماء الشباب! وإذا هي أروع مثال للجمال صاغته يد البادية العبقرية الصَّناع!
لها شعر فاحم وارد تنُوس ذوائبه على وجه أبيض مسنون مشوب بسمرة رقيقة كما يشاب الكافور بالمسك! وعينان دعجاوان مكحولتان بالسحر البابلي، يحرسهما حاجبان مُهلَّلان كأنهما نونان من خط ماشق! وخدان أسيلان أنضجت تفاحتيهما شمس الصحراء، نبت