كان المصري إذا ذكر بالأمس زمزم ذكر البيت الذي تتهافت على ضوئه أمانيه وأحلامه، والنبع الذي تسكن على برده (لواعجه) وآلامه. أما اليوم فبذكره فيجد في نفسه بجانب شعوره الديني اللطيف شعوراً آخر له كذلك لطفه وقداسته: ذلك هو شعوره الوطني بالمستقبل المشرق والكرامة العزيزة والحياة المستقبلية (لأن زمزم لم يعد في ذهنه مقصور الدلالة على البئر المقدسة، وإنما أصبح يدل أيضاً على الحجر الأساسي لمجده البحري، والمظهر الحقيقي لوجوده الدولي، والسفينة الأولى من أسطوله المدني الأول (
والأسطول المصري كلمة نسيتها مصر منذ أودت بأسطولها الدول الغوادر في أمواه (نافازين)، فشواطئ رمسيس وكليوبطرة،
وزمزم. . .
كان المصري إذا ذكر بالأمس زمزم ذكر البيت الذي تتهافت على ضوئه أمانيه وأحلامه، والنبع الذي تسكن على برده (لواعجه) وآلامه. أما اليوم فبذكره فيجد في نفسه بجانب شعوره الديني اللطيف شعوراً آخر له كذلك لطفه وقداسته: ذلك هو شعوره الوطني بالمستقبل المشرق والكرامة العزيزة والحياة المستقبلية (لأن زمزم لم يعد في ذهنه مقصور الدلالة على البئر المقدسة، وإنما أصبح يدل أيضاً على الحجر الأساسي لمجده البحري، والمظهر الحقيقي لوجوده الدولي، والسفينة الأولى من أسطوله المدني الأول (
والأسطول المصري كلمة نسيتها مصر منذ أودت بأسطولها الدول الغوادر في أمواه (نافازين)، فشواطئ رمسيس وكليوبطرة، ومواني المعز وصلاح الدين، ظلت بعد إبراهيم حمى مباحا للسفائن الأجنبية، ترسى عليها بالذل والقهر، أو بالغلاء والفقر، أو بالسم والرذيلة (ثم لا تجد بين حنايا المرفأ الرءوم باخرة مصرية واحدة تشعرها ذل الغربة، وتذكرها واجب الدِّخالة، فكانت مياهنا كما كانت أرضونا مرتعا غريض الكلأ تخور فيه السوائم الغريبة خُوار الكفر والبذاء، لا خوار الشكر والثناء، ونحن أصحاب البلد لا تجد في هذا الطغيان سيادة المالك، ولا عزة الوطني ولا سلطان الدولة (
فلما تكشفت جهودنا القومية المنتجة عن بنك مصر، صمد هذا الناشئ الجبار بحزم الكهول وعزم الشباب إلى الميادين المالية الأجنبية فاقتحم حصونها المنيعة، وسرى في هيكل هذا البلد العليل الواهن سريان البرء، يحرك كل عضو من أعضائه بشركة من شركاته: فصاول في حي المال بنوك الدول، وطاول في (ألماظة) مطار الإنجليز، ونازل في (المحلة) مناسج (لنكشير)، وزاحم في كل سوق نتائج كل شعب (ومشت أعراض السلامة من الصدر إلى الثغر، فقامت شركة مصر للملاحة تعيد سلطاننا على البحر، وتعلن استقلالنا إلى الخارج، فأنشأت (زمزم) وأخواتها الثلاث على أحكم ما يقول الإنشاء، وأضحك ما يمكن الابتداء، وأفخم ما يكون التأثيل
وكان الأسبوع الماضي (مظاهرة كبرى) للاستقلال الأكبر ((
نزل طلعت حرب وصحبه العاملون يغزون الماء، بعد ما غزوا الأرض والسماء، فخفقت الأعلام الخضر على سواري زمزم، وتهللت الجباه الغر على سواحل مصر، وشعرت المواني الثلاثة المحتلةأن في أحضانها اليوم وليدا من أهلها صريح النسب، تضطرم في