[نار. . . ونفس!!]
للأستاذ محمود حسن إسماعيل
ظَمِئَتْ نَارِي! وَللنَّار كما للنَّاسِ خَمْرٌ وَرحيقُ
ولها حَانٌ، وخمَّارٌ، وأقداحٌ، وإِبْريقٌ عَتِيقُ
ونداماها أسَى العُشَّاقِ، والأحزانُ، واسِّرُّ العميقُ. . .
وَبكتْ نفْسي! وَللنَّفس دُموعٌ حَينَ تبْكي وَشهيقُ
ولها كالحَطَب المَشْبُوب أَزٌّ في حشاهَا وحَريقُ
ولها كالأفُقِ الْغَضبان إعصارٌ وَرعدٌ وبروقُ. . .
فَسألْتُ النَّارَ: مَنْ أظْمَأ يَا نَارُ عَلَى قَلبي لَظاك؟
كيْفَ أسْقيكِ! وأيُّ الخمرِ تَرجُو مِنْ زماني شَفتاكِ؟
ما بكأسِيْ غيرُ نارٍ كالَّتي تَحْمِلُ بلواهَا حَشاكِ!
وَسَألتُ النَّفسَ: مَنْ عّلمَ دَمْعَ العَين يَجْري فيِ حِمَاكِ؟
كيف أَسْقيكَ مِن أن السُّلوانِ والسُّلوانُ مَعنًى مِن أَساك؟
مَا بكأسِي غيرُ دمْعٍ أتْرعَتْهُ مِنْ دَمِي يَوْماً يَدَاكِ!
قَالت النَّارُ: فَضحْتَ السِّرَّ، فَاصْمُتْ، لاَ تُحَدّثْ عَنْ لَهِيبي!
إنْ تكن نَارُكَ مِنْ نارِي فَلا تسْألْ عَن السرِّ الرّهيبِ
وارْكبِ الرِّيحَ، وَخلّ الجِنَّ يُسْرِ جْنَ لها طَيْرَ الغيُوبِ
فإِذا شَارَفْتَ عَذرَائي تُناديكِ عَلَى شَطَّ الغُرُوبِ،
وَانْسَنيِ في جَذْوةِ الأنفاسِ لاَ تزعجْ لَظى خمريْ وكُوبي
وَهفاَ بالنَّفْسِ ماَ يَهفُو بِغُصْنٍ فيِ يد الإعْصَارِ يُعْوِلْ
ثم قالت: كيْفَ عنْ دمعي ومنكَ الدَّمعُ يا حَيْرانُ تَسأَلْ؟
إِنْ أكنْ فيكَ سَكنْتُ الجِسْمَ والجِسْمُ تُرابٌ يَتنَقّلْ؟
فأنَا طَيْرٌ بِعرشِ الله لي عُشٌّ وبُسْتَانٌ وَجَدْوَلْ
إِنمَا أَبكي لِهذَا القَفَصِ الدَّاجِي الكَئيب المُتَملْمِلْ
لَمْ يَجد أَيَّ عزاءٍ في وجُودِي، كيْف يغْدُو حِينَ أَرْحَلْ؟!