(من واجب (الرسالة) أن تنشر ما يتفضل به عليها الأدباء
والزملاء والأصدقاء من صادق النقد وجميل الرأي في كتاب
(وحي الرسالة) تسجيلا للفضل منهم والشكر منا)
قالت زميلتنا المقتطف في عددها الصادر في أول مارس:
قال الزيات:(قارئي العزيز، اخترت لك هذه الفصول مما كتبته للرسالة في ست سنين. وكان من عادتي أن أكتب الفصل منها أصيل السبت من كل أسبوع، ثم لا أكتبه طوعاً لتأثير قراءة، أو تحرير فكرة، أو تخمير رأي. وإنما كان أثراً لوحي ساعته أو حديث يومه أو صدى أسبوعه. فالزمن جزء منه متعمم لمعناه: يبين ملابسته للحادث، ويعين مناسبته في التاريخ، لذلك أعقبت كل فصل بذكر اليوم الذي كتب فيه ليتضح موضعه بفعله وحاله وظرفه)
هذا خير ما يوصف به هذا الكتاب. فأنت ترى أني لا أستطيع أن أزيد في صفته من حيث التأليف والتبويب، ولكني أستطيع أن أقدم بين يدي قارئه بعض الرأي في أدب صاحبه
وأنت إذا تناولت هذا الجزء فقرأت فهرسه، رأيت مائة وعشرين بابا من أبواب القول قد افتتحها (الزيات) بقلمه وسناها برأيه، ومهدها بحسن بيانه، ولكل باب منها غرض، ولكل غرض أسلوب، ولكل أسلوب لفظ يصلح عليه ولا يصلح عليه غيره. وإذا كان الكتاب كذلك كانت المشقة فيه أعظم من مشقة التأليف المرسل إلى غرض واحد لا يتميز إلا بالاتجاه، فإن الغرض الواحد قلما يخرج أسرار البيان من قلب الكاتب ولسانه، لأن الأسلوب إليه قلما يختلف. فإذا اختلفت الأساليب باختلاف الأغراض محصت قدرة الكاتب على ما اعترض له وهمّ إليه من الكتابة
فإذا أنت أخذت هذا الكتاب بين يديك وسايرته فصلاً فصلاً وأسلوباً أسلوباً، عرفت الجهد الذي لقيه صاحبه في إبداعه، ورأيت (الزيات) في كل أسلوب هو (الزيات) لا يختلف ولا يتنافر، والكاتب إذا صار إلى هذه المرتبة - حيث تراه هو هو مهما اختلفت الأغراض وتباينت الأساليب - فاعلم أنه إنما يشتق لك كل ما يكتبه من حر نفسه، فيضنيها ويهلكها