للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من الموضوعات التي نالت الجائزة في المباراة]

[الأدبية]

التربية الوطنية الاستقلالية وأثرها في بناء الأمة

للأستاذ محمد عبد الباري

- ٣ -

ومع أني لست من القائلين بالفصل التام بين السلطات، فإني لا أجد في سلوك القاضي هذا مأخذاً حتى ممن يقولون بالفصل التام. فتصرف القاضي على النحو الذي ذكرت يمكن حمله على حق إبداء الرأي بكافة الوسائل باعتباره عضواً ممتازاً، بنوع ثقافته وبخبرته، من أعضاء الجماعة التي يعمل فيها ولها، وبهذا الوصف لا يكون تصرفه تدخلاً من السلطة القضائية في شؤون السلطة التشريعية

ومن أدق عمل القاضي حكمه فيما يختص بعلاقة الحكام بالمحكومين. ففي هذا المجال بخاصة تظهر قيمة الاستقلال والإقدام والكياسة. وبديهي أن القاضي المقدر لمركزه لا يتردد في القضاء بما تمليه روح القانون والعدالة. لا يعمل بغير الواجب إذا كان حراً مستقلاً. فالكل أمامه سواء. إن القاضي النزيه المقدام يبعث في الجماعة الشعور بأن الكل في حماية القانون، وهذا الشعور، يدعمه الواقع، يعين كثيراً على حرية إبداء الرأي وحرية التصرف ومن ثم يؤدي إلى خير المجموع

جـ - وليست التربية الاستقلالية أقل أثراً في الشؤون الإدارية. ففي البيئات الحرة المستقلة يعمل الصغير والكبير بما تقتضيه المصلحة العامة ويوحي به الضمير الحر. يقترن الإحساس بالكرامة باستشعار المسؤولية فلا يخشى المرؤوس أن يبت في الأمر أو يلقي بالرأي، ولا يشمئز الرئيس من قبول ملاحظات المرؤوس والعمل بها إذا ما تبين وجه الصواب فيها. المستقل لا يصطنع الرياء والملق؛ ومهما صغر مركزه الاجتماعي فهو في نفسه كبير؛ والواثق من نفسه يبرم الأمور مادامت في متناول يده ولا يؤجل ولا يتهرب. هذا إذا كان مرؤوساً، وإذا كان رئيساً فإنه لا يرى في مرؤوسه الحر شذوذاً أو غروراً فيغضي عنه، بل يرى فيه كفاية وإقداماً فيقبل عليه. يقومه إذا أخطأ ويشجعه إذا أصاب،

<<  <  ج:
ص:  >  >>