كان مالك بن نويرة التميمي اليربوعي شاعراً شريفاً، معدوداً في فرسان بني يربوع الجاهلية وأشرافهم، وبلغ من أمره أنه كان يضرب به المثل فيقال: مرعى ولا كالسعدان، وماء ولا كصداء، وفتى ولا كمالك. وبلغ من شرفه أنه كان يردف الملوك، وللردافة موضعان إحدهما أن يردفه الملك على دابته في صيد أو غيره من مواضع الأنس. والموضع الثاني أنبل وهو أن يخلف الملك إذا قام عن مجلس الحكم، فينظر بين الناس بعده. ولكنه كان فيه خيلاء، لما كان يرى من نبله وجماله.
وقد وفد على النبي صلى الله عليه وسلم فيمن وفد عليه من العرب، فاستعمله على صدقات قومه بني يربوع، وقد مات صلى الله عليه وسلم وهو عامل على تلك الصدقات فلما بلغه موته اضطرب فيها فلم يحمد أمره، وفرق ما في يده من إبل الصدقة، فكلمه القرع بن حابس والقعقاع بن معبد فقالا له: إن لهذا الأمر قائماً وطالباً، فلا تعجل بتفرقة ما في يدك. فقال:
أراني الله بالنعم المندى ... ببرقة رحرحان وقد أراني
تمشي يا ابن عوذة في تميم ... وصاحبك الأقيرع تلحياني
ويعني أم القعقاع، وهي معاذة بنت ضرار بن عمرو.
وقال أيضا:
وقلت خذوا أموالكم غير خائفٍ ... ولا ناظر فيما يجيء من الْغَدِ
فإن قام بالأمر المُخَوَّف قائمٌ ... منعنا وقلنا الدِّينُ دينُ مُحمدِ
يعني أنهم لا يدينون إلا له، فإذا مات لا يدينون بعده لانتفاء أمر النبوة.
فلما فعل مالك ذلك في كثير من العرب الذين ارتدوا ومنعوا الزكاة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، أرسل أبو بكر إليهم خالد بن الوليد وغيره في جيوش من المهاجرين والأنصار، وكان فيما أوصاهم: إذا نزلتم فأذنوا وأقيموا، فإن أذن القوم وأقاموا فكفوا عنهم، وإن لم يفعلوا فلا شئ إلا الغارة، ثم اقتلوا كل قتلة الحرق فما سواه، فإن أجابوكم إلى داعية