قرأت في مذكرات حضرة صاحب السمو الملكي الأمير محمد علي المطبوعة في مصر في ٩ ربيع الأول سنة ١٣٦٦هـ أنه كان يتولى رياسة لجنة حفظ الآثار العربية، فقررت اللجنة سنة ١٣٢٩هـ (إصلاح جامع عمرو وتجديده اهتماماً به من جهة أنه أول مسجد أسس في الإسلام بمصر، وانه مشرق أنوار العلوم الإسلامية بمصر منذ القدم)، ولئلا (نعاب بقلة الاكتراث بمفاخرنا التاريخية).
واهتم بذلك الأجانب، وكتب إليه أساتذة كبار محبذين ومشجعين، وكاد يتم الأمر لولا أن أكثر الأعضاء المسلمين في اللجنة غابوا عن الجلسة التي عينت لإتمام المشروع فصارت (الأغلبية) للأجانب.
قال الأمير: فلما بدأت في تبادل الآراء مع الأعضاء في مسالة إصلاح الجامع قام هرتس باشا - مهندس الأوقاف إذ ذاك - وسألني: ماذا تعملون في حيطان سور الجامع؟ فقلت: حيث أن السور متهدم متخرب، وانه جدد مراراً، ولم يبق له منظر جذاب، نريد أن نعمل سوراً جيداً فخماً يتناسب واسم الجامع. فأظهر أسفه لهذا العمل، وقال، إننا إذن سنكسر ما فيه من طوب أحمر أثري، وأن هذا خسارة لا تعوض، لأنها آثار قديمة ستتلف بهذا العمل!
وبعد ذلك سأل مسيو ديمول الممثل الألماني لصندوق الدين قائلاً: ماذا تعملون في البواكي؟
ثم سأل المستشرق السويسري بورك هارت: ماذا تعملون في عمدان الجامع؟
وبعد ذلك قام المسيو فارنال الممثل الإنكليزي لصندوق الدين وسأل: ماذا تعملون في البوابة الكبيرة؟)
وذكر الأمير جوابه لكل منهم، وهو جواب مقنع، ولكن القوم لم يقتنعوا!
قال: (ثم زاد امتعاضي وقلت لجميع الجالسين: أما يندى جبينكم خجلاً من هذا الوضع أيها الجماعة؟ إن الدين الإسلامي لا يسمح لغير المسلم أن يتدخل في أمور مساجد الله، والحكومة المصرية سمحت وتساهلت إلى حد أن تتدخلوا في شؤون نحو مائتين وخمسين مسجداً في مصر دون حق شرعي، والمسلمون لما أرادوا تعظيم شأن جامع من أدخل الدين الإسلامي في بلادنا، تحجمون وتوقفون عملنا، وعلى هذا إني متنازل عن رياسة هذه