رأينا كيف كان لبعض توجيهات الدين الإسلامي سواء ما كان منها إيجابياً أو سلبياً أثر واضح في إيجاد شخصية قوية للفنون الجميلة التي كان يزاولها المسلمون. على أن هناك عوامل أخرى تستمد أصولها من الدين الإسلامي قد تبدو لأول وهلة كأنها منقطعة الصلة بالفن ولكنها في الحقيقة ذات صلة بهذا الأمر، صلة غير مباشرة إلا أنها فعالة قوية الأثر نرى من الحق علينا أن نشير إليها وأن نبين كيف عاونت على نضوج الفن الإسلامي وساعدت على اطراد تقدمه. ولعل أهم هذه العوامل المساعدة ثلاثة: النقابات الإسلامية، والحسبة، والوقف. وسنبين أولاً ما هي هذه النظم ثم نعقب على ذلك بإيضاح أثرها في الفنون الجميلة
أما نظام النقابات فلا يعنينا هنا البحث في أصله أو ترجيح أحد الرأيين اللذين يحاولان الكشف عن ذلك، فسواء أكان يرجع في أصله إلى النقابات البيزنطية التي كانت موجودة قبل الإسلام، أو كان من ابتداع الفرق الدينية الإسلامية كالإسماعيلية وغيرها؛ فالأمر الذي لا يتطرق إليه الشك هو أن هذا النظام ازدهر وارتقى في ظل الإسلام، وساهم بأوفر نصيب في تقدم الصناعة، إذ كان لكل حرفة نقابة خاصة يرأسها شيخ الصنعة ويليه النقيب ثم الأساتذة ثم الأسطوات ثم المبتدئون. وكانت أسرار الصناعة تدرس عملياً في هذه النقابات وكان لها قانون يستمد سلطته من الحكومة في كثير من الأحيان ويدور حول حماية المستهلك والمنتج على السواء، فيضمن للأول جودة المصنوع وإتقان الصناعة وإتباع الأساليب المقررة فيها، ويضرب بيد من حديد على الغش والتدليس، ويضمن للثاني سهولة الحصول على المواد الخام اللازمة لصناعته، ويمنع الاحتكار الذي يضر بالعمل ويسعى لرفع مستواه الاجتماعي. ولقد قضي على نظام النقابات بعد أن تغيرت الأسس الاقتصادية التي تسير عليها الأمم الإسلامية في الوقت الحاضر. على أنه لم تزل هناك ظاهرة اجتماعية تذكرنا به هي حفلة إثبات رؤية هلال شهر رمضان إذ تسير نقابات الحرف المختلفة في موكب الرؤية بنظام خاص. ولعل هذه الصورة أوضح في الأرياف منها في القاهرة