احتفلت جمعية علماء الزولوجيا (علم الحيوان) في لندن أخيرا بالذكرى المئوية لرحلة العلامة تشارلس داروين إلى أمريكا الجنوبية وجزائر المحيط الهادي؛ وقد أصبح اسم داروين في عصرنا علما على نظرية النشوء والتطور التي تذهب إلى تسلسل الإنسان من سلالة أحط من الحيوان، وأضحت النظريات الدارونية في ذلك علما راسخا، وكانت رحلة داروين الشهيرة التي كانت أساس مباحثه في (أصول الأنواع) في سنة ١٨٣١؛ وكان داروين يومئذ في الثانية والعشرين، وقد أتم دراسته الجامعية وملكه حب المباحث النباتية والحيوانية، فانتخب باحثا طبيعيا مع جماعة من العلماء جهزتها جامعة كمبردج، واستقلت السفينة الشهيرة المسماة (بيجل) إلى أمريكا الجنوبية، ولبثت السفينة بيجل تطوف أرجاء المياه الأمريكية، ومياه المحيط الهادي حتى بلغت أقصى جزائرها المسماة (جلاباجوس)، وقطعت في هذه المرحلة نحو خمسة أعوام، ولم تعد إلى إنكلترا إلا في سنة ١٨٣٦، وفي أثناء هذا الطواف كان داروين يجمع المعلومات والملاحظات الدقيقة عما يراه من الحيوان والنبات. وإليك ما يقوله لنا عن هذه المباحث في مقدمته لكتابه الشهير في (أصول الأنواع):
(لما ركبت السفينة بيجل كباحث طبيعي، لفتت نظري بعض الحقائق الخاصة بتوزيع المخلوقات التي تسكن أمريكا الجنوبية بالعلائق الجيولوجية بين سكان هذه القارة في عصرنا وبينهم في الماضي. وقد لاح لي أن هذه الحقائق قد تلقي بعض الضياء على (أصول الأنواع) أو مسالة المسائل كما سماها فيلسوف من أعظم فلاسفتنا؛ ولما عدت إلى الوطن سنة ١٨٣٧، فكرت أنه قد يمكن استخراج شيء في هذا الموضوع بجمع هذه الحقائق وتأملها، وبعد دراسة خمسة أعوام، سمحت لنفسي أن أتناول الموضوع وأن أكتب عنه بعض مذكرات، ثم استخرجت النتائج التي لاحت لي وجاهتها، وما زلت من وقتها إلى يومنا أتابع مباحثي في الموضوع)
وقد ضمن داروين مباحثه الأولى كتابا سماه (رحلة السفينة بيجل) وفي سنة ١٨٥٩ أخرج كتابه الشهير الذي يعتبر فاتحة عصر في المباحث الطبيعية، وهو كتاب (أصول