لا أظن شيئاً مهملاً في مصر إهمال القرية المصرية وإهمال أهلها. فبينما تغدق الوزارات المتتابعة على تجميل المدائن الأموال الطائلة، وبينما تقوم في سبيل شق الشوارع وإقامة العمائر الضخمة فيها، إذا بها تضن على القرى بكل إصلاح أو تنظيم، ولقد لاحظ أهل الريف هذا منذ زمان بعيد، فقامت ضجة كبيرة في البرلمان المصري سنة ١٩٢٦ حين أريد توسيع شارع الهرم، ونال نواب الريف أغلبية في مجلس النواب لم يتيسر التغلب عليها إلا باجتماع مجلسي البرلمان في هيئة مؤتمر، ومع أن حاجات الريف إلى الإصلاح كثيرة جداً سواء من الجهة الصحية، أو من الجهة التعليمية، فان ما يبذل في سبيله من أموال وجهود يسير على سنة التطور البطيء جداً كأنما يجهل الذين يتبعون هذه السياسة أن ريف مصر يحتوي عوامل النشاط والقوى الحقيقية الحيوية في البلاد، وانه إذا حوربت الأمراض التي تفتك بأهل الريف، وإذانشر التعليم الأولي والابتدائي في ربوعه زاد الإنتاج الاقتصادي، والإنتاج الفكري، بما قدره بعض الأطباء بثلاثين في المائة من مجموع الإنتاج الحالي!!!
لذلك كان العمل الذي تقوم به جمعية مشروع القرى جديراً بأكبر التشجيع من كل إنسان، وكان ما يبذل الشباب من جهود في هذا الشأن حرياً بأن يلقى التشجيع والمعونة من جانب رجال هذه الأمة الرسميين وغير الرسميين، ونحسب الذين زاروا أوربا جميعاً ولم يكتفوا بالجلوس على مقاهي المدن الكبرى كباريس ولندن وكلفوا أنفسهم مؤونة التغلغل في أرياف فرنسا وإنجلترا وألمانيا وغيرها من الدول الأوربية، وقارنوا بين حياة ريف أوربا وحياة ريف مصر أشد شعوراً باستحقاق جمعية مشروع القرى لكل تشجيع، ويحسون في قرارة نفوسهم بشيء كثير من الأسف بل الألم لهذه المقارنة. فالمنزل القروي في أوربا يحتوي من معاني الحياة الإنسانية ما لا نجد له قط نظيراً في أحسن منازل القرى المصرية، والأماكن العامة كالكنائس والمدارس والمستشفيات في قرى أوربا تشهد بأن أهل تلك البلاد يحرصون على هذا المعنى الإنساني وعلى ترقية الذوق الفني في نفوس أهل الريف