نشرت جريدة الأهرام بتاريخ ٧ فبراير سنة ١٩٤٣ مقالاً للأستاذ منصور جاب الله تحت عنوان (يوم الإسكندرية)، وقد عرج فيه الكاتب على مكتبة الإسكندرية قائلاً:
(إن ثلاثة عشر قرناُ تتجرم بعد احتراق مكتبة الإسكندرية لحقبة جد طويلة، فاليوم يرأب الصداع، ويرد إلى المدينة الخالدة اعتبارها العلمي وتعاود مكانتها الثقافية)، والذي يسوق هذه العبارة في مقاله الجليّ يؤمن برأي من نسب حريق مكتبة الإسكندرية على يد عمرو بن العاص
وقد ناقش هذا الخبر كثير من علماء الإفرنج مثل (بطلر) و (جوستاف ليبون) وغيرهم فلم يمكنهم الجزم بأن عمرو ابن العاص هو الذي أحرقها حقيقة بأمر الخليفة عمر بن الخطاب كما زعم بعضهم، بل ولم يؤيد هذه الدعوى أحد من المؤرخين المعاصرين للفتح الإسلامي، مثل (أوتيخوس) الذي وصف فتح الإسكندرية بإسهاب
وأما ما نسبه أبو الفرج الملطي في كتابه (مختصر الدول) عن حريق المكتبة على يد عمرو بن العاص، فقد فنده كل من (بطلر) و (سديو) و (جوستاف ليبون) وغيرهم. والغريب أن هذه الرواية يذكرها رجل من أطراف بلاد الفرس بعد فتح الإسكندرية بنحو ستمائة سنة، ولم يتعرض لها المؤرخ المسيحي البطريق (أوتيخوس) الذي قلنا إنه أسهب في فتح الإسكندرية. على أن تعاليم الدين الإسلامي تخالف هذه الرواية؛ إذ ترمي إلى عدم التعرض للكتب الدينية اليهودية والمسيحية المأخوذة في الحرب ولا يجوز حرقها - أما كتب الفلسفة والطب والتاريخ والشعر وسواها من العلوم غير الدينية، فإنه يجوز للمسلمين الانتفاع بها
والمعروف أن هذه المكتبة لم تكن موجودة إبان الفتح الإسلامي اللهم إلا بقايا من جدران حوائطها
والصحيح الذي لا مرية فيه: أن المكتبة حرقت مرتين: المرة الأولى تم فيها حرق القسم الأكبر منها على يد جنود (يوليوس قيصر) سنة ٤٧ ق. م وأما القسم الثاني من المكتبة فقد تم حرقه في عهد القيصر (طيودوس) سنة ٣٩١ م بأمر الأسقف (نيتوفيل) بواسطة جماعة