للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[قصة القمر العاشق]

للأستاذ علي محمود طه

للأديب محمد سيد الكيلاني

هي قصة بارعة في قصيدة رائعة عدتها اثنان وثلاثون بيتاً، ومع هذا، فإنها تقع في أربعة فصول تمثل لنا العشق في صورة مستحدثة، وتعطينا لوناً لا عهد لنا به من ألوان الموسيقى. وهذه القصة واضحة المعاني، بينة المرامي، بالرغم مما فيها من رموز وإشارات. وهي مفعمة بالشذوذ، ولكنها مع هذا كله مما يستقيم به منطق الشعراء الواقعيين

يتحدث الشاعر في قصيدته عن (قصة قمر عاشق) يهوي الصبايا الحور، ويقتحم عليهن الخدور. ولقد تواضع الشعراء من قبل على أن يجعلوا من القمر معشوقاً جميلاً رقيقاً فاتن السمات، بديع القسمات، فشبهوا به وجه الحبيب، وفي ذلك يقول قائلهم وهو يخاطب الليل:

لو كان عندي قمر ... ما بت أرعى قمراً

ولكن شاعرنا المهندس خرج على هذا الإجماع فجعل من هذا المعشوق الوادع الرقيق عاشقاً سابياً وعربيداً فاتكاً، فأسبغ عليه منصفات الرخاوة حيناً، والضراوة حيناً آخر، ما جعل قصيدته قمينة بالنظر، حرية بالاستقراء، جديرة بتأمل كل حسناء كأنما يوجه إليها الشاعر قصيدته، كيلا يستخفها هذا الضوء الرطب المنحدر من قمر الليالي الصائفة فيلهيها عن نافذتها المفتوحة قال مخاطباً هذه الغادة:

إذا ما طاف بالشرفة ... ضوء القمر المضني

ورف عليك مثل الحلم ... أو إشراقة المعنى

فهنا شرفة يطوف حولها ضوء القمر متعباً من طول ما قطع من مسافة إليها وهذا الضوء لطيف عذب كالحلم، مشرق كالمعنى المتوقد في خاطر الشاعر، يرف على زنبقة نائمة في مهدها، وقد انحصرت غلالتها الرقيقة عن بعض جسمها. قال وأنت على فراش الطهر كالزنبقة الوسنى:

فضمي جسمك العاري ... وصوتي ذلك الحسنا

وفي هذا النداء الأخير تتجلى عبادة الشاعر للجمال وتقديسه له، فهو يربأ بهذا الجسم الفاتن أن يكون نهب هذا الضوء المفتون، أو بمعنى آخر نهب الأعين الشرهة الجارحة، فالشاعر

<<  <  ج:
ص:  >  >>