جدير في هذا الظرف الذي يمثل فيه زعماء النازية أمام محكمة نورمبرج الدولية ومن بينهم روزنبرج حامل لواء العقيدة الجنسية وزعيم حركتها، أن نقدم إلى قراء العربية خلاصة عن نظرية الأجناس البشرية التي بشر بها الكونت دي غوبينو الفرنسي، ولا سيما وأن هذه النظرية شغلت الرأي العام طول الحرب وهي ما تزال موضع تفكير الناس واهتماهم. على أنا حاولنا جهدنا الاختصار تاركين لأهل العلم والاختصاص الإفاضة والتطويل. وقد اقتصرنا على ما جاء في أصل النظرية لدى الكونت دي غوبينو وتأثيرها في حينه. هذا ولعلنا نعود إليها ثانية لنستكمل بحثها والتطور الذي طرأ عليها في العهد النازي.
الكونت دي غوبينو:
في يوم من أيام ١٤ يولية الذي دك فيه الباستيل وخرج الأحرار منه يعلنون حقوق الإنسان ومبادئْ الحرية والمساواة تمخضت امرأة حامل من الأسر الفرنسية النبيلة عن غلام هو الكونت (جوزيف ارتوردي غوبينو)، وقد اشتهرت هذه الأسرة بعدائها للثورة الفرنسية ومبادئها فشب الطفل يوسف على المنوال نفسه، شريفاً فيه نزعة الأرستقراطيين وعلى شفتيه نبرات الأمر، محباً للمطالعة مشغوفاً بالسياحات، أراد أبوه الضابط في حرس شارل العاشر ملك فرنسا أن يجعل منه ضابطاً مثله في السلك العسكري فأدخله بعد إعداده الإعداد الدراسي اللازم مدرسة سان سير الشهيرة، لكنه لم يحظ برؤية ابنه متوشحاً الأوسمة يختال ببزته العسكرية إذ أنتقل إلى دار الفناء، فانتقل ابنه إلى عهدة عمه الكونت تيبو يوسف دي غوينو الذي اشتهر في يوم ٩ بترميدور بإطلاقه رصاص مسدسه مع بعض المتهوسين على يعاقبة المؤتمر الوطني. أراد الكونت العم أن يستعمل سلطته فلا يدع ابن أخيه يتصرف في الأموال التي خلفها له أبوه على هواه فكان نزاع بينهما انتهى بأن استقل الكونت الشاب بثروته فسكن باريس وانكب انكباباً منقطع النظير على الدرس والقراءة،