كنت أذهب مساء كل يوم إلى حديقة نادي الموظفين في عاصمة من عواصم مصر العليا فأجلس في ركن هادئ من أركان تلك الحديقة الفسيحة ساعة أشاهد قرص الشمس وهو يغيب خلف التل في إحدى عدوتي الوادي.
وكان لا يدنو مني هناك إلا رجل إنجليزي حاسر الرأس سريع الخطى أراه كل يوم وفي إحدى يديه ساجور كلبه وفي الأخرى عصا غليظة يدخل من باب النادي في ساعة معينة لا يتقدم عنها ولا يتأخر، حتى لقد كنت أضبط ساعتي على مرآه كما أضبطها إذا انتبهت إلى صوت المدفع. وكان الرجل متى بلغ النادي يجري في حديقته ساعة يلاعب كلبه كما يفعل صبي في العاشرة، ثم يدع الكلب ويجلس غير بعيد مني على كرسي، ويمد رجليه على آخر، ويفتح كتاباً يخرجه من جيبه فيقرأ بعض الوقت ثم يبرح وكلبه النادي عند ساعة لا يتقدم عنها كذلك ولا يتأخر.
وتعارفنا أنا ومستر (للي) وهذا اسمه إلى وأنس (جوي) وهذا اسم كلبه. وأحسست من الرجل ما يشبه طبيعة المصري في سرعة الألفة، وذكرت له ذلك فضحك وامتدح في كياسة هذه الطبيعة المصرية قائلا وقد لمح على محياي ما داخلني من سرور:(هذا بعض ما أحببت من شمائل شعبكم الطيب؛ وقد عرفت الكثير منها من مخالطتي عملائي هنا في بنك بركليز).
- (هالو! مستر خفيف! سعيدة). . . . . . التفت ذات مساء على تحية مستر للي هذه يلقيها إلي بالعربية ضاحكا، ثم تقدم إلي وصافحني كما نفعل نحن المصريين كلما التقينا، ولو وقع ذلك في اليوم مائة مرة.
- (جوي! جوي! العب وحدك اليوم فلن أشاركك مرحك. . . . . . إن في توثبك دعوة إلي ولكني لن ألبيها؛ إني متعب من زحمة الأرقام في رأسي طول اليوم).
وكان الرجل يخاطب كلبه بلغته الإنجليزية كما لو كان يخاطب ابنا له. ثم التفت ألي قائلا:(لينصرف كل منا إلى كتابه فبنفسي ميل إلى القراءة) وبعد مدة ألقى كل منا كتابه ودنا مني ذلك الإنجليزي باسما وهو يقول: (والآن فلنتحدث).