للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[خواطر يثيرها سائل]

للأستاذ عبد المنعم خلاف

إلى السائل المجهول في بيروت

أحسب أن ما عندك من العلم والرأي كفيل أن يردك إلى الاطمئنان متى حرصت على أن ترى دائماً بدهيات الحياة ولا تنساها، وعلى ألا تترك النظرات الفلسفية الشاردة تقودك إلى الخروج عن حدود الواقع العملي الذي لا نرى غيره في الحياة متسلطاً على عقول الناس.

إن النظرات الأولية للحياة، هي التي تفرض علينا الإيمان، فإذا جاوزناها، لابد أن يكون لنا من القدرة على الرجوع إليها ما يضمن لنا الاعتصام بصخرة النجاة والطمأنينة على الحياة وقيمتنا فيها.

وينبغي لرجل الفكر أن يتذكر دائماً أن إنكار وجود الله، أو القيمة السامية لحياة الإنسان هنا، أو المصير السامي لحياته الأخرى هناك: معناه تخبيل العقل وتشريده. ولئن كان في الإثبات بعض الإشكال عند من لم يتصل بأصول الحياة، ففي الإنكار كل الإشكال.

وأمامك فرصة من التسامح المطلق لتوازن بين فكرتي الإثبات والإنكار؛ وأنت مجرد من أي تأثير نحو إحداهما، لترى النتائج العملية لكل منهما.

وعلى هذا، هب أن كل ما في نفسك من الإيمان تحول إلى كفر ونكران، وكل ما في خلقك من البراءة والطهر تحول إلى نجس وعهر؛ أفتتخيل أنك واجد الطمأنينة والسعادة ووضوح الحياة بعد هذا التحول؟ لا شك أن مثلك يجيب: كلا. . . ذلك لأن الكفر المبني على فكر، ليس معه طمأنينة ولا استقرار على شيء، بل هو في ذاته كل القلق وكل الضياع الذي يجعل الإنسان في الحياة كطائر في قفص يرى قضبانه محكمة متينة، ومع ذلك يطفر ويحاول تحطيمها والانطلاق منها، وليس له على ذلك طاقة، (ولن نُعجزَهُ هرَباً).

فالإيمان ضرورة فكرية للراحة في الحياة قبل أن يكون تقليداً موروثاً عن الأم والأب والبيئة. ثم إن حياة الإثم والانطلاق وراء الشهوات والآثام ليست مبعث سعادة عند ذوي الأفكار ولا عند الأغرار والسفهاء أنفسهم. واسألهم ينبئوك أنها ظمأ لا يرتوي. دع عنك عقابيلها من الأوجاع والضياع؛ ولا يمكن للجماعة أن تقرها، لا لأن الدين ينهي عنها بل لأن حياة الاجتماع تأباها وتعلن الحرب عليها بعد أن اختبرت نتائجها السيئة

<<  <  ج:
ص:  >  >>