للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[١ - الإسلام والفنون الجميلة]

للأستاذ محمد عبد العزيز مرزوق

يمتاز الإسلام بأنه أوجد لنفسه بنفسه فناً جميلاً كيفه بمبادئه، وبث فيه روحه، وغذاه بتعاليمه حتى استقام عوده، ونضجت شخصيته، وتجلت للعيان مميزاته. ولا شك أنه لبيان هذه الميزة ينبغي أن نقارن بين الإسلام وبين ما سبقه من الأديان من حيث موقف كل منها من الفنون الجميلة ثم نعقب على ذلك ببيان الطرق التي أتيح بها للإسلام أن يخلق فناً جميلاً إن اتفق مع الفنون السابقة عليه في بعض العناصر الزخرفية فقد اختلف عنها أشد الاختلاف في المبادئ الأساسية والاتجاهات التي سار فيها

فإذا عدنا إلى الوراء آلاف السنين لنشهد الإنسان وهو يتقلب في أطوار حياته المختلفة على ظهر البسيطة لوجدناه يكافح الوحوش ليعيش، ويحاربها ليوجد لنفسه بينها مكاناً أمينا يطمئن فيه على حياته، ولرأيناه ما كاد يلقي سلاحه، ويفرغ لنفسه بعض الشيء بعد هذا الجهاد المضني، ويأوي إلى كهفه ليستريح ويستقر به المقام في هذا المسكن الجديد، ويرضي فيه حاجات جسمه من مأكل ومشرب وملبس حتى يقوم إلى جدران هذا الكهف يزخرفها وإلى آلات صيده يجملها ويزينها

ولسنا هنا بصدد الفصل في سبب اشتغاله بهذه الفنون الجميلة، فليكن الدافع إليها فيض النشاط الحيوي فيه، أو لتكن الغريزة هي التي أوحت إليه أن يحاكي بالرسم ما يراه في محيطه، أو ليكن اعتقاده في أن رسم الحيوان يقيده أو تكرار رسمه يكثره، أو رسمه وقد اخترق السم أحشائه يجعل صيده هيناً سهلاً عليه وهو الذي حمله على هذا العمل، أو لتكن هذه العوامل مجتمعة هي التي جعلته يشتغل بهذه الفنون فلن يغير هذا من الحقيقة شيئاً: ذلك أن الإنسان قد عرف الفنون الجميلة قبل التاريخ واستخدمها في حياته. لقد وجد نفسه ضعيفاً أمام قوى الطبيعة: أمام قوى تعمل من وراء ستار، رأى براكين ثائرة يتطاير منها الحمم فتصيبه في نفسه وفي ماله، وسمع رعوداً صاخبة تكاد تصم بزمجرتها أذنيه، وأحس برياح عاصفة تدفع به أمامها، وتلقي في طريقه بأعظم الأشجار وأضخمها، ولمح بروقاً خاطفة ترسل إليه بضوئها فتملؤه خوفاً ورعباً. هذه المظاهر المختلفة التي لا يعلم سرها جعلته يعتقد بوجود قوى عظيمة تأثر في كيانه دون أن يراها. لذلك فكر في استرضائها

<<  <  ج:
ص:  >  >>