للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[العلوم]

سبيل الإنسان والطبيعة.

للدكتور احمد زكي. أستاذ الكيمياء بكلية العلوم.

الطبيعة تسير في كل ظواهرها وحوادثها على قوانين مرسومة منذ الأزل، وستسير فيما يظهر على تلك القوانين الموضوعة إلى الأبد.

وقد كان الإنسان القديم يعجب بهذه الظواهر، وتأخذه الرهبة، ويلبسه الإجلال والإكبار عند اعتبار تلك الحوادث، ولكن لم يحفزه شيء إلى تفهمها، ولم تجش في نفسه رغبة إلى تعرف أسبابها، لأنها كانت تستأذن على عقله فُرادي وأشتاتا ثم تُركَم فيه على غير نظام كما يركم المتاع عند تاجر الأمتعة القديمة، فالحذاء البالي إلى جانب المرآة الصقيلة، والكتاب القيم بجوار قدر الطعام. وكان عقله صبياً، والعقل قد يصبو في الشيخ، والعقل قد يشيخ في الصبي، وعقل الصبي في القرن العشرين قد يزيد على عقل الشيخ في قرون الحياة الأولى، وعقلي وعقلك اليوم ليسا من خلق هذا الجيل، بل هما تراث لأجيال جاء دوري ودورك في احتوائه، وقد أورِّثه أعقابي من بعدي وتورثه أعقابك من بعدك وفيه نقص، وقد أورثه وتورثه وفيه زيادة، ولكن لا شك أن ما يورثه جيل جيلا من ذلك يزيد بمر الأجيال بزيادة التجارب وتسلسل الثقافات وتتابع المدنيات.

ولما تفتح الذهن الإنساني أخذ يدرك بين ظواهر الكون العديدة أشباها برغم تراكمها، وبدأ يبصر بين الأشياء منها وجوها للخلاف برغم خفائها وتعسرها، وأخذ يرتب ما دخل عقله شتيتا فيقرب بين المتعارفات، ويباعد بين المتناكرات، وأصبح ما يدخل عقله يقصد من فوره إلى مكانه من ذلك النظام وما يستأذن على رأسه يُؤذن له ولكن من باب دخل فيه من قبله أجناسه، وبهذا العقل المنظم، وبما فيه من وحدات متآلفة متخالفة مترابطة، أخذنا نحن بني الإنسان نتفهم الطبيعة، فاستكشفنا أن لها قوانين، وأن لها مُثُلا تنسج عليها في كل ما تصنع، ونماذج تحتذيها في كل ما تأتيه.

وقد يتراءى لنا نحن بني العدم والفناء أن الطبيعة تشذ عن مثلها أحياناً، وتخرج عن مألوفها أطوارا، وما في الطبيعة من شذوذ، ولا هي تخرج عن مألوف، وإنما هو سوء فهم منا لمألوفها، وقصور منا عن إدراك نواميسها، وما ذلك القانون الذي شذت عنه، ولا

<<  <  ج:
ص:  >  >>