ولم يعتمدوا في دراسة العلوم الطبيعية والميكانيكية والسوائل والبصريات على مجرد النظر؛ بل اعتمدوا على فرض الفروض واستخراج النتائج منها بالمراقبة والامتحان. ولقد كان الحسن ابن الهيثم الذي ظهر في القرن الخامس للهجرة؛ علماً فذاً في هذه العلوم، ولئن تجاهله المسلمون فقد عرف فضله الغربيون، وقدروه قدره وأوفوا كتبه حقها من الدراسة العميقة وأحاطوا شخصه بما هو أهل له من الاحترام والإكبار. فقد جاء في دائرة المعارف البريطانية: إن ابن الهيثم قد أوحى بكتابته في الضوء إلى اختراع النظارات، وأن علماء القرون الوسطى كروجر باكون العالم الإنكليزي المعروف، وبول واتيلو، وليوناردفنشي، وكوبرنيكس وكبلر، وغيرهم، قد اعتمدوا على كتاباته، واقتبسوا منها معظم بحوثهم في مختلف المواضيع. وقد جاء في دائرة المعارف البريطانية أيضاً ما نصه:(كان ابن الهيثم أول مكتشف ظهر بعد بطليموس في علم البصريات).
وجاء في كتاب تراث الإسلام:(إن علم البصريات وصل إلى أعلى درجة من التقدم بفضل ابن الهيثم). ويقول الأستاذ سارطون:(إن ابن الهيثم أعظم مؤلف ظهر عند العرب في علم الطبيعة؛ بل هو أعظم علماء الطبيعة في القرون الوسطى، ومن علماء البصريات المعدودين المشهورين في العالم كله. . .)، وجاء عن العالم الفرنسي (لوتيرتياردو) بأن (كبلر) قد استمد معلوماته في الضوء وانكساره في الجو من كتابات ابن الهيثم.
وإلى ابن الهيثم يرجع الفضل الأول في معرفة قانون الانعكاس وزاويتي السقوط والانعكاس، وهو الذي أثبت أن الضوء يسير في خطوط مستقيمة في الهواء وفي أي وسط آخر، وأنه إذا سار من وسط إلى وسط آخر انكسرت أشعته، وقاس كلا من زاويتي السقوط والانكسار، وأظهر خطأ بطليموس في بحثه عنهما. وقد اخترع آلة لبيان العلاقة بين زاويتي السقوط والانكسار؛ فبنى علماء الغرب فيما بعد آلتهم الحديثة على أساسها. وقد علل كثيراً من الظواهر الجوية التي تنشأ عن الانكسار تعليلاً علمياً صحيحاً، واصلح خطأ رأي أقليدس القائل بأن شعاع النور يخرج من العين إلى الجسم المرئي، وقال بأن النور