الآن وقد بلغت ربوع الألب أيها الصديق!، فما أجدرك أن تلقي عصاك حينا، ثم تنعم النظر فيما حولك من خلق عجيب، ومن روعة آخذة بالألباب. . . . في هذا الجزء الصغير الجليل من العالم أرادت الأرض أن تسمو وتعلو. . أتراها كانت تريد أن تبلغ السماوات، ثم لم تلبث أن رأت هذا السمو قد أبلغها الزمهرير المهلك القارس، فجمد في صدرها الأمل والطموح، واكتفت من الارتقاء بشيء لعلها تراه قليلا، ونراه نحن جليلا؟. وأيا كان ذلك السر الغامض الذي جاش به صدر الأرض، وأياً كان مطمحها البعيد أو القريب، فحسبي الآن وحسبك ما نتأمله فيها من حسن وما ننعم به من جمال.
في هذه البقعة المباركة رفعت الأرض مناكبها، وأمعنت في الارتفاع، وصعدت أعلامها في الهواء وأسرفت في الصعود. واصطدمت السحب بهذه الأطواد الشامخة فسالت السحب غيثا مدراراً، وانحدر الغيث على جوانبها جداول وأنهارا. ثم اجتمع الماء من كل ناحية في هذه البطائح المطمئنة، ولم يزل يجتمع حتى استحال إلى هذه البحيرات البديعة، وقد نزلت اليوم على ضفاف واحدة منها. فراعك حسنها الهائل، وفتنتك عيونها الساحرة، واستهواك قوامها الرشيق، وخدها الأسيل. . . ولقد بهرك منها بنوع خاص هذا الجمال المتجدد في كل لحظة، إذ تبدو لك الصبح في لون، والأصيل في لون، وتبدل في كل آونة ثوبا. . . أرأيت يا صديقي، كيف حرت في أمرك وأمرها، فما تدري أي ألوانها أحب إلى قلبك، وأي أشكالها أشد امتلاكا لعقلك؟
أمنظرها وقت الشروق، وهي هادئة وادعة، وقد انطبعت في صفحتها البلورية الملساء صورة مبهمة قاتمة للجبال الشاهقة التي تحيط بها، وقد حالت الجبال دون وصول أشعة الشمس. فلم ينفذ إلى البحيرة من نورها سوى ضياء هادئ رقيق، يبدي لك من الكون ما حسن، ويخفى منه ما ليس بالحسن. ولولا أني أخشاك يا صديقي لقلت لك أن البحيرة في تلك اللحظة تشبه الحسناء حين تستيقظ من النعاس، ولكني أحسبك لا تعبأ بمثل هذا التشبيه. . .
أم منظرها وقت الظهيرة، حين تظلها سماء صافية زرقاء، وتبدو الجبال من حولها. وقد