كان الوجوم مخيماً على البيت الكبير وكل ما فيه ينطق الأسى وقد أبعث من إحدى الغرف نشيج خافت.
وكانت أضواء القاعة الباهلية تلقي بصيصاً على نفر قليل من الناس نزلت دموع بعضهم على الوجنات وأخذ بعضهم يتمتم بعبارات تفيض باليأس والقنوط فقد حركت فيهم المصيبة كامن الشجن كما تفعل دقات أجراس الموت الحزينة في النفوس الحساسية. وفي إحدى طوابق البيت كان الكون كأبلغ ما يكون فلا حس ولا حركة كبحر انقلبت مياهه ألواحاً من الجليد.
وهناك في غرفة صغيرة اضطجعت على فراشها تلفظ ببطء أنفاسها الأخيرة، طفلة رائعة الملاحة، أبيض وجهها حتى أضحى أشد نصوعا من الكفن الذي كان في انتظارها، ليغيبها في لفائف، وبقرب الفراش انحنى والدها يغمران بقبلاتهما وجهها الجميل، وفي الجهة الأخرى من السرير وقف الطبيب صامتا ً واجماُ بعد أن أشد بلاغة من الدموع، وبجانبه وقف القس ممسكا بإنجيله يتلو فقرات منه بصوت خفيف.
واخيراُ لفظت الطفلة أنفاسها واصبح ذلك الجسد الذي كان ينبض بالحياة كقطعة جامدة من الرخام، وليس فيه دلائل الحيوية الماضية سوى تلك البسمة البريئة التي لم يقو الموت على انتزاعها من الشفتين الرقيقتين. أطبق القس كتابه أحنى رأسه المكلل بشعره الرمادي ووقف يرقب خاشعاً ما تتخطه يد الموت على الجهة الصغيرة.
أما الوالدان فقد شخصت إبصارهما في ذهول، فقبل دقائق قليلة كان أملهما معلقاً في ارتعاشه الشفتين واضطراب الصدر الصغير. أما الآن فقد انهدم كل شيء، ماتت! نعم ماتت وتركت عالما يضج بالحركة والحياة، كانت تفيض سلاماً والتي عاد القس إلى تلاوتها بصوته الهادي العميق لم تكن قادرة على أن تهب عاود قلبيهما سلاماً وتعزية فانكفأ