كان مصطفى كمال يتمتع بعد الحرب العظمى بشهرة عامة في بلاده باعتباره بطلاً من أبطال الجندية التركية الذين أبلوا بلاء حسناً في معارك الدردنيل، وقد أعتقد الباب العالي إبان هذه الحوادث أن في بقائه باستنبول خطراً على الحالة السياسية الداخلية، ولذلك أسندت إليه وظيفة عسكرية لإقصائه إلى داخلية الأناضول، وكانت رغبتهم في التخلص منه كبيرة لدرجة أعمتهم عن تقدير ما في عملهم هذا من أن المبعد سيكون أشد خطراً في آسيا منه في العاصمة. وقد علم مصطفى كمال بخبر احتلال أزمير وهو في سمسون فكان وقعه شديداً عليه، ولذلك جمع أهالي هذه المدينة وألقى عليهم خطاباً حماسياً من أشد الخطب التي ألقاها في حياته، فأسرع الضابط البريطاني الذي كان مكلفاً من قبل القيادة العامة بمراقبة أحوال وسير الولاية في إرسال برقية إلى استنبول يطلب فيها استدعاء هذا الضابط المهيج للخواطر.
وهنا قررنا بناء على إلحاح المندوب السامي البريطاني التدخل بطلب استدعائه فقبل الباب العالي ذلك، ولكنه لاعتياده الأساليب البيزنطية لم يستدعه نهائياً، وإنما طلبه لأخذ آرائه واستفتائه في مجرى الأحوال العامة، وقد بادر أصدقائه المقيمون باستنبول إلى تحذيره من هذه الدعوة، فقرر عدم إجابتها وتنصل منها بسفره فجأة إلى أرضروم محتجاً بأن الاستدعاء الرسمي وصل متأخراً بعد قيامه.
لقد كن من الممكن إنقاذ الحالة بعمل سياسي قاطع، وكنت الوحيد بين المندوبين السياسيين الذي أبلغ حكومته وأبلغ مجلس الأربعة بباريس أن الحالة تستدعي قراراً حاسماً بعرض صلح عادل يسلم ببعض مطالب تركيا مع المحافظة على المزايا والمصالح الأجنبية التي يجب التمسك بها في أراضيها. أما حكومة الباب العالي، فقد بدأت تتردد في قراراتها وتبدو عليها مظاهر الضعف التي هي عوارض كل نظام انتهى دوره.