للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[موقف لكفار بدر لعل زعمائها يتدبرونه!]

للأستاذ عبد الحكيم عابدين

لا تكاد تنتصف أيام الصيام حتى تظلنا من رمضان أحفل ذكرياته بمواكب المجد، وأغنى أيامه بمواقف البطولة، وأوفرمجاليه إشراقا بصورة الفداء والتضحية. وحسبك بذكرى (بدر) بلاغا إلى كل ما يصقل الروح من معاني العبرة، وما تستشرف إليه النفس من جلال الفكرة (وَلَقَدْ نَصَرَكُم الله بِبَدْرٍ وَأنْتُم أذِلَّة فاتَّقُوا الله لَعَلَّكُم تَشكُرون (.

بيد أنى آخذ نفسي اليوم بنهج في تحليل جانب من الذكرى أرجو ألا يثير الانفراد به حفيظة أهل الرأي، وآمل ألا يعقب غرابة السبق إليه أوزار المتزمتين في تصور قداسة الدين. فحسبي - متى أخلصت القصد - أن أبوء بثاني الأجرين، وما توفيقي إلا بالله.

إني إذن مهيب بك أيها القارئ الأثير أن تشاطرني جولة في ربوع مكة وقد استنفرت صناديد قريش لقتال محمد صلوات الله عليه، ثم تغذ معي السير إلى رحاب القليب حيث تراءى الجمعان والتقى العسكران، وإنك لسابقي حينئذ إلى استخراج منازل الفضل التي ندعو إليها زعماء اليوم لا من معسكر الصحابة فذلك ما لا خلاف في روعته وجلاله، بل من معسكر الكفر على ما عرف من بغيه وضلاله!

إي وربي لأقنعن زعماء العصر أن يقتدوا بما سجل التاريخ من رجولة كفار بدر، ولهم إن فعلوا ثناء الناس وحمد التاريخ، وأنا بهما زعيم هذه قريش في البيض واليلب، قد هبت لثأر أبي سفيان حين استصرخها لنجدته ضمضم بن عمرو (يا معشر قريش اللطيمة! اللطيمة! إن أموالكم مع أبي سفيان قد أحاط بها محمد وأصحابه، لا أضن أن تدركوها) ولكن قريشا لا تكاد تستكمل أهبتها للمسير حتى يوافيها أبو سفيان قد استطاع أن يفلت بمحاذاة الشاطئ فسلم من حصار محمد وسلمت لقريش التجارة والعروض، وانقضت بذلك حاجة مكة إلى قتال المدينة. وهنا لا يقنع صناديد مكة المغاوير وفتيان قريش الضيد بالإجابة لداعي السلام، بل (يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا) وتملي لهم شياطين الكفر علوا واستكبارا، فيأبون أن يضعوا اللامات، أو ينزعوا العصابات، حتى يبلغوا من القتال كما توهموا الإجهاز على محمد ودعوته، ويفضوا من الحرب إلى إعلان مجد قريش وعزتها (وإذْ زيَّنَ لَهُم الشيطانُ أعمالَهُم وقالَ لا غالِبَ لَكُم اليَومَ مِنَ الناسِ وإِنّي

<<  <  ج:
ص:  >  >>