تعريفها: الملهاة تمثل حادث منتزع من الحياة العامية يبعث اللهو ويثير الضحك. وموضوعها الجهة الوضيعة من طبائع الناس وعادات المجتمع ونقائص الحياة. أما جهة الإنسان الرفيعة ونكبات الدهر الفظيعة وجرائم الهوى السفيه فموضوع المأساة. ويخيل إليّ أن الفرق بين الملهاة والمأساة لا يزال غير واضح ولا محدد، فيحسن هنا أن نفصل القول فيه. فالملهاة تختلف عن المأساة في المبدأ والواسطة والغاية. فمبدأ المأساة حساسة الإنسان وشعوره، وواسطتها التأثير، وغايتها الرهبة من الهوى المضل، والرعب من الجرم الفظيع، والرغبة في الخلق الكريم. وأما الملهاة فمبدأها خباثة الإنسان وضعفه، وواسطتها السخرية والضحك، بأن تنظر إلى عيوب الناس نظرة الضاحك الساخر مادامت غير مؤلمة فتثير الرحمة، ولا محنقة فتثير البغض. ولا مخطرة فتثير الفزع. ثم تصور هذه النقائص بمهارة ودقة، وتستعين على تقوية هذه الصورة بالمفارقات والمفاجآت لتكون مثاراً للاستهزاء والضحك. ولا ريب انه كان أجدر بنا وأنفع لنا أن نقابل عيوب الناس بالرثاء الأخوي والنظر الفلسفي بدلاً من هذه الضحكة الهازئة، ولكنهم وجدوا أن أقرب الطرق وأنجع الوسائل أن يستخدموا فساد بعض الناس في إصلاح فساد الآخرين، كما تستخدم ذبابة الحجر من الماس في صقل الماس نفسه. وإصلاح العيوب بالعيوب هو غاية الملهاة. ومن الناس من يفرق بين الملهاة والمأساة بكيفة الأشخاص وكمية العواطف، فيقولون إن أشخاص المأساة من طبقة الخاصة، وأشخاص الملهاة من طبقة العامة، وإن درجة العواطف في الأولى قوية وفي الأخرى ضعيفة، وذلك فرق لا يميز ولا يوضح، لأن الآلهة والملوك قد يتخذون في بعض الأحيان أضاحيك كما ترى في رواية (امفتريون) لمولير، ولأن اليأس القاتل الذي استولى على بخيل موليير حينما فقد خزانة ماله، لا يقل في درجته وشدته عن يأس فيلوكتيت سوفوكليس حينما خطفوا منه سهام هرقل.