إن النوازل الفادحة والمهالك الجائحة والعواطف الخارقة مرايا المأساة ودلائلها، ولكن المنافع الخاصة والأخلاق العامة والعيوب الشائعة كيان الملهاة وخصائصها، فالأولى صورة من التاريخ، والأخرى صورة من المجتمع، والرذيلة تدخل في باب الملهاة إلا وهي مضحكة محتقرة. فإذا كانت ممقوته مضرة دخلت في باب المأساة. فموليير جعل المنافق المحتال شخصاً مضحكا في (ترتوف)، وشكسبير جعله شخصاً محزناً في (جلوسستر)، وذلك بالطبع راجع إلى طبيعة النفاق والحب في الحالين.
سبب الضحك في الملهاة: سبب الضحك هو خطأ حقيقي أو
ادعائي لا ضرر منه ولا تبعة له. فنحن وإنما نضحك إذا
لحظنا بين الشيء وبين الواقع اختلافاً لا يكون فيه مضرة
لأحد.
فالرجل المفلس الذي يظن نفسه كفؤاً لأن يعلم الناس جمع الثروة، والشيخ المتهدم الفاني الذي يتصابى في مشيته، ويتظرف في لهجته، يبعثان على الضحك ويستوجبان السخرية، لأنهما يريان الأشياء على غير حقيقتها. والدمامة في ذاتها ليست مضحكة، وإنما تصبح كذلك إذا ظن الدميم نفسه جميلاً، أو رجا أن يظنه الناس كذلك. ولهذا السبب نفسه نضحك من اريجون بخيل موليير حين يطبق على خزانته ما يقوله له فالير عن ابنته، وكذلك نضحك من (مينالك) لابرويير حين أخذ نعله وهو يحسبه كتاب القداس، كما حدث لأحد إخواننا من المعلمين الكهول إذ وضع (دفتر التحضير) في شباك المرحاض بجانب قطعة بالية من قفة خوص. ولما قضى أمره سها فأخذ (البرش) بدل الدفتر، ودخل به الفصل فكركر التلاميذ في الضحك من هذا السهو الغريب.
على أن حدوث السهو أو الخطأ من إنسان لا يكفي في حدوث الضحك، بل لابد أن نلحظ ذلك الخطأ منه، وندرك التباين بين فكرته عن الشيء، وبين حقيقة ذلك الشيء نفسه. فإذا اتفق أن أحد الناس لم يفطن إلى هذا الخطأ لفتور ذهنه أو قلة علمه بقى جاداً لا يضحك ولا يبتسم. وذلك سبب ما نرى من أن الشيء يضحك بعض الناس ولا يضحك البعض الآخر. ولا يلزم أن يكون الخطأ المضحك حقيقياً، بل يكفي أن نراه نحن كذلك، أو يتظاهر