المضحك بأنه غلط في شخص أو في شيء. والمازح إذا أراد أن يمزح فإنما يدعى الحماقة والسذاجة وهما مصدر السهو والخطأ. كذلك يجب ألا يكون لهذا الخطأ تبعة محزنة ولا نتيجة مشئومة كما ذكرت من قبل، وإلا أثار الرعب والإشفاق، بدل أن يثير الجذل والضحك. فميروب حين أخطأت في ولدها فظنته قاتلاً، وأرادت أن تقتله لم يضحكنا ما تفعل، وإنما ملأ قلوبنا رعباً وخشية؛ والمتكبرون لا يضحكون من أنفسهم إذا أخطأوا، لأنهم يجدون في هذا الخطأ جدعاً لكبرهم وإهانة لصلفهم فيتألمون.
ومنشأ الخطأ الذي يولد الضحك إما نقص في الخلق، وإما ضعف في الذكاء، وإما ظروف خارجة عن شخص المخطئ. والخطأ يستتبع في أكثر الأحوال أقوالاً وأفعالاً تخالف المرعي من العادة أو العرف أو القوانين أو الذوق؛ وتلك هي السمات التي تحدد لك أخلاق الملهاة. ففي ملهاة (المتوحش) لموليير تجد كل ما يقوله (ألسِسْت) ويفعله مناقضاً للعادة الجارية، لأنه فقد قوة الحكم على الأشياء، فبالغ في تقدير الفضيلة إلى حد أن يرى فيما أجازه العرض وأمضاه خطورة ليست فيه.
أنواع الملهاة: الملهاة ثلاثة أنواع: وهي الملهاة الإشكالية ' وتؤلف من الحوادث المضحكة الغربية المتشاكبة المعقدة التي تأخذ على المشاهد أنفاسه وتملك حواسه، حتى تنتهي بحل مرغوب غير متوقع. فالحوادث روحها وقوتها. أما وصف العادات، وتصوير الأخلاق، فهما في المحل الثاني منها، كملهاة المريض الواهم، والطائش، والحضري الشريف لمليير، والملهاة الاجتماعية وتؤلف من الهزؤ بخيال الناس وسخف المجتمع، وتصوير ما أحدثته العادات السيئة في الأخلاق من تشويه ومسخ، وذلك في طبقة خاصة وعصر معين. ويجب أن يكون كل شيء فيها مهيئاً ليظهر مع غيره عيباً من عيوب الاجتماع. فالحوادث تختار عن قصد لبلوغ هذه الغاية، والظروف ترتب بدقة لأحداث هذا الأثر، والفرد يكبر ويعظم حتى يتضمن الجنس بأسره، والحوار يجري على طريقة تبرز فكرة المؤلف واضحة في كل خطاب وجواب، كالمتحذلقات السخيفات لموليير، ونصف العالم، ومسألة النقود، والأب المبذر، لاسكندر دوماس الصغير. والملهاة الخلقية وهي تهاجم العيوب والنقائص المسيطرة على الأخلاق في كل زمان ومكان، ونزعتها إلى الإفادة والإمتاع أقوى منها إلى السخر والإضحاك. كالبخيل، وترتوف، والمتوحش لموليير. وهذا