النوع أنفع الأنواع الثلاثة وأقواها وأصعبها. فأما أنه أنفع، فلأنه يرجع إلى مصادر العيوب وأصولها فيهاجمها في مبادئها ومناشئها؛ وأما أنه أقوى فلأنه يقدم إلى الناس المرآة فيخجلهم من صورهم ويضحكهم من أنفسهم، وأما أنه أصعب فلأنه يطلب من المؤلف دراسة عميقة للأخلاق، وبصيرة نافذة في الملاحظة، وخيالاً قوياً ليجمع شتات الملحوظات الكثيرة في نقطة واحدة.
هذه هي أنواع الملهاة الثلاثة، دون أن نعد منها تلك الأنواع التي تعتمد في الإضحاك على النكات اللفظية، أو على المواقف الخليعة المجونية، فإنها بضاعة الأذهان الكليلة، والأذواق السقيمة. ولها مع ذلك اسم غير هذا الاسم وموضع غير هذا الموضع. على أن هناك نوعاً رابعاً هو أسمى من تلك الأنواع وأقوى. ذلك هو الملهاة المختلطة التي تستوعبها جميعاً. فتجمع إلى هزل المواقف هزل الأخلاق والعادات، فترى فيها الأشخاص مدفوعين بضعف عقولهم، أو مرض قلوبهم إلى أن يقفوا مواقف مخزية تعرضهم إلى سخر المشاهدين واحتقارهم. . كالموقف الذي وقفه أرباجون بخيل موليير مع ولده حينما أقبلا يتعاملان بالربا دون أن يعرف أحدهما الآخر، فكانت مقابلة الأب المرابي والابن المبذر من سخريات الحياة وغرائب الأمور.
ماذا يجب في عمل الملهاة: إن الغرض الذي يتوخاه واضعو
القواعد للعمل الروائي هو التقريب بين الافتراض والحقيقة.
وأقوى الوسائل إلى هذا التقريب هي قاعدة الإمكانية. ولما كان
عمل الملهاة منتزعاً من العادة المألوفة، والأخلاق المعروفة،
والنكتة الحاضرة، كان بعده عن الحقيقة، ومخالفته للواقع أمراً
سهل الملاحظة صعب الاحتمال. لذلك وجب أن تراعى
القواعد في الملهاة مراعاة شديدة، وعلى الأخص وحدة العمل،