هذا عن الدليل على وجوب الإشهاد في الطلاق وفي الرجعة، وأما الدليل على أنه شرط في صحتهما، وأن من طلق أو راجع بغير إشهاد فقد بطل طلاقه وبطلت رجعته، ولم يصح واحد منهما - فان الطلاق عمل استثنائي صرف، يخالف القواعد العامة في العقود والفسوخ، وكذلك الرجعة، لأن كلا منهما تصرُّفٌ في عقد بين اثنين، يقوم به أحد طرفي العقد وحده، وهو الرجل من غير اختيار أو مشاركة له فيه من الطرف الآخر، وهو المرأة، أَذِنَ بهما الشارع الحكيم، في حدود معينة، وبنظام خاص، وليسا مما يملكه الرجل وحده بطبيعة التعاقد، لأن الزواج عقد كسائر العقود، لا يملك أحد طرفي العقد التصرف فيه بالإلغاء أو الإنهاء وحده، لولا ما أذن به الله للرجل من حق الانفراد بالطلاق؛ وكذلك الرجعة، هي إعادة للعقد الذي نسخه الرجل وحده بما جعل الله له من الحق في ذلك، وهي إنما يملك الرجل الانفراد بها - دون الطرف الثاني من العقد - بما أذن الله له فيها، ولو لم يأذن الله بالطلاق وبالرجعة للرجل، لم يكن له أن ينفرد بواحد منهما من غير رضا الطرف الآخر في العقد
وقد أذن الله في شريعته للرجل بالاستقلال بإيقاع الطلاق، وبالانفراد برد المطلقة إلى عصمته، بصفات معينة، وفي أوقات خاصة، فتكون كلها شروطاً في صحة ما يفعله المطلق حين طلاقه، والمراجعُ حين رجعته. فإذا تجاوز الصفات التي رُسمت له فيهما، أو الأوقات التي أُقِّتَتْ له، كان عملاً باطلاً، لأنه خرج عن الحدّ الذي ملك فيه الانفراد بالتصرف بالإذن من الشارع الحكيم
ولذلك قلنا ببطلان الطلاق لغير العدة، وببطلان الطلاق من غير إشهاد، وببطلان سائر أنواع الطلاق الذي يسمى (الطلاق البدعي). وقلنا أيضاً ببطلان الرجعة من غير إشهاد، وببطلانها إذا قصد بها المضارّة ولم يقصد بها الإصلاح، كما قال الفقهاء جميعاً ببطلان