هاأنذا أهبط إلى برجي العاجي مع الشتاء، في الوقت الذي يهبط فيه (الأب نويل) مع عيد الميلاد. إني أرى لحيته الطويلة البيضاء تمتد لتلتف حول الكوكب الأرضي. لقد كان طرفها بالأمس في بلاد الجليد، فإذا هي اليوم في بلاد الشمس والهلال. لقد طفت بالمدينة فرأيت عجباً. لقد انقلبت القاهرة رأساً على عقب. أنوار وأعلام، وزينات وأفراح، والناس جميعاً مشغولون بإعداد سهرات العيد. الشرقيون قبل الغربيين يتسابقون إلى الاحتفال بعيد ليس عيدهم، ولكنهم يريدون تقليد الأجانب. بل إني لأعرف بيوتاً وأسراً شرقية مسلمة تقيم في منازلها (شجرة الميلاد) أسوة بالأوربيين. نعم. لقد ذهبت أعياد الشرق فلم يعد أحد يأبه لعيد الأضحى أو الهجرة أو ليالي رمضان. إن أعيادنا تقبل علينا فلا نبسم لها ولا نخرج لاستقبالها. إنما نحبس أنفسنا في بيوتنا كأننا نخجل منها ومن أنفسنا. فإذا جاءت أعياد الأجانب أسرعنا فخرجنا لها باشين مهللين. نحن في بلادنا نشارك الأجنبي في أعياده، وهو على أرضنا لا يشاركنا في أعيادنا. وبذلك أفهمناه وعلمنا آلنا وأطفالنا منذ الصغر ازدراء ما هو شرقي واحترام ما هو غربي. وهكذا أثبتنا للعالم أن مجرد وطء أقدام الأوربي أرضنا كاف أن يزلزل حصوننا المعنوية. نعم ما كان الغربي يتصوَّر أن الشرقي ينبذ من أجله حتى أفراحه التاريخية العريقة بألوانها الزاهية وطابعها الأصيل. إني ليخيل إلي أن الغربي ذاته، ذلك الضنين بتقاليده، الحريص على تجميل خرافاته، يدهش لرؤيته وجه الشرقي قد انطمست ملاحمه بهذه السهولة، وضاعت معالمه من الرؤوس والنفوس، وزال رسمه الحقيقي إلا من تلك الصفحات الرائعات التي سطرها أمثال بييرلوتي وجيراردي نرفال من الأوربيين أنفسهم الذين أعجبوا بالشرق يوم كان الشرق يحتفظ برداء شخصيته فلا يخلعه ليجري عارياً كالشحاذ خلف الغرب. إني لم أر قط باعتنا المتجولين يصيحون (بعرائس مولد النبي) في الطرقات ولكنهم صاحوا البارحة بنداء شق الفضاء: (الأب نويل بقرش أبيض! الأب نويل بقرش أبيض!). وبهذا تم لذي اللحية البيضاء غزو الشرق