انتقل المازني إلى مرحلة جديدة، أو منتظمة، في الدراسة عندما دخل المدرسة (القريبة) على مقربة من داره. وكانت على عهده كما يصفها:
(مثلما ضمت سبيل ... من صنوف الخلق وفدا
أو كيوم الحشر، أو وقفة عرفات على الأقل). وكان ناظرها جارا وصديقا لأبيه. فأفادته هذه الصداقة اهتمام الناظر به ورعايته لشأنه، كما أنزلته بين أترابه التلاميذ منزلة مرموقة، فجعلوه رسولا بينهم وبين الناظر يتصلون به إلى إجابة مطالبهم وتحقيق رغائبهم.
وكان الطفل أعلم بموطن الضعف في نفس ناظره، فما كان يأتيه من ناحية صداقته لأبيه وكفى، بل يتحرى في مخاطبته أن ينعته دائما بلقب (البكوية)، وكان حديث عهد به، فلا يقصده مرة ويكرر على سمعه هذا اللقب مرات، حتى يرتد مطيب الخاطر مقضي الرغبة مستجاب الرجاء.
ويذكر المازني أنه كانت في هذا الناظر سذاجة عجيبة، وأنه كان جاهلا وإن تظاهر بالعلم بكل شيء. ومن نوادره التي يرويها أنه دخل يوما إحدى الفرق وكان الدرس ترجمة. . (وكان المعلم غائبا، ولم يكن هو يعرف ذلك وإن كان فيما يزعم إداريا حاذقا. ولكنه سمع ضجتنا العالية فسأل فقيل له إن هذه الفرقة ليس فيها معلم، فلم يندب غيره بل جاء هو إلينا بنفسه - وبطوله وعرضه - وسألنا (ما لكم يا أولاد؟) قلنا (يا سعادة البك المعلم غائب). قال (الدرس إيه؟) قلنا (ترجم يا سعادة البك). فأنشرح صدره واغتبط وأيقن أنه سيظل