تمهيد: امتاز الأستاذ أغناطيوس كراتشقويفسكي صاحب هذا البحث بدقته وسعة مداركه، وتساميه عن المواضيع المطروقة؛ وهو لا يفرق مطلقاً بين الآداب العربية وبين الأمة التي أنتجت هذه الآداب.
وقد لا أعرف بين علماء المشرقيات في أوربا من توفر على دراسة الأدب العربي الحديث غيره وغير البروفيسور جب صاحب الدراسات الوافية في القصة المصرية والأدباء المعاصرين، والأستاذ كامفماير الألماني مؤلف كتاب (قادة الأدب العربي الحديث)، والمستشرق السويسري الدكتور ويدمار الذي يذيع دراسات مستقلة عن الأدباء والشعراء المعاصرين، كمحمود تيمور والزهاوي، والمستشرق نيفل باربور الذي كتب دراسة وافية عن المنفلوطي وعن تاريخ المسرح المصري، وكذلك المرحوم مارتين هارتمان المتوفى لأعوام قلائل، فإليه يعود الفضل في تنبيه علماء أوربا إلى الأدب العربي الحديث.
وقد زار العلامة كراتشقويفسكي مصر وسوريا وفلسطين عام ١٩٠٨، وانكب في خلال إقامته بهذه الأقطار على دراسة آدابها الحديثة، ومكث بها فترة طويلة بمدرسة اليسوعيين في بيروت. وظهرت نتيجة زيارته ودراسته في بحث ممتع قرأته له منذ أعوام ناشد فيه الأدباء المعاصرين أن يدونوا تراجمهم ويدرسوا آثارهم.
وللأستاذ أيضاً يعود الفضل في تعريفنا بالعالم المصري المرحوم الشيخ محمد عياد الطنطاوي المدفون في مدينة بطرسبرج (لينجراد)، فقد نزح هذا العالم الأزهري منذ نحو قرن تقريباً إلى روسيا ليدرس الأدب العربي في جامعاتها، ووافاه الأجل وهو هناك فدفن في الأراضي الروسية، ويوجد رسم فوتوغرافي لقبره في الخزانة التيمورية، وقد نقشت بعض عبارات بالعربية على شاهد القبر هذا المعنى.
وقد ظهر أول بحث علمي للأستاذ كراتشقويفسكي عن (شاعرية أبي العتاهية) وضعه عام