تجدد في هذه الأيام نشاط الدعاة العالميين إلى تعميم لغة واحدة بين أمم الحضارة، لتصبح في يوم من الأيام لغة النوع الإنساني كله، أو لتصبح - على الأقل - لغة إضافية يتفاهم بها أبناء الأمم جميعاً، إلى جانب لغاتهم القومية، إذا تعذر الأنفاق على لغة واحدة تغني عن جميع اللغات
وهذه الدعوة تتجدد في أيام الدعوة إلى السلام، وهى أرفع ما تكون صوتاً وأبعد ما تكون صدى في أعقاب الحروب العالمية؛ لأن الناس يشعرون في هذه الأوقات بعواقب التفرق والانقسام، ويستمعون إلى كل نصيحة يرجون منها منع الحروب وتقريب الشقة بين بني الإنسان، في اللغة والعقيدة والعصبية القومية
ومن تقديرات هؤلاء الدعاة أن التفاهم بلغة واحدة يقضى على سبب من أسباب سوء التفاهم بين الأمم، فلا يقع بينها هذا التنافر الذي يثير الفتنة وينفخ في نيران العداوة، ويفرق الناس شيعاً في القلوب كما تفرقوا شيعاً في الألسنة واللغات
ومن البديه أنهم يقدرون إمكان النجاح في هذه المحأولة، ولا يسلكونها في عداد المستحيلات الممتنعة على جميع المحاولات
ونشاطهم اليوم أقوى من نشاطهم في السنوات الماضية، فقد شهدوا أمم العالم تجمع مندوبيها في صعيد واحد، وقد بلغوا في عهد عصبة الأمم المنحلة أن تعترف العصبة (سنة ١٩٢٧) بأشهر اللغات العالمية وهي (الاسبرانتو) التي سمعنا عنها كثيراً في البلاد العربية. فإذا بلغوا في عهد الأمم المتحدة أن يتكلم المندوبون بهذه اللغة، أو يتكلم أحدهم بها ويفهمه بعض زملائه، فهي خطوة مفلحة في سبيل التعميم، وقد تتبعها خطوات تشترك فيها الحكومات وتنتظم فيها الشعوب
فالمجلات التي كانت تطبع بلغة الاسبرانتو ثم احتجبت في السنوات الماضية تعود الآن إلى الظهور، والمجلات التي ضاق نطاق انتشارها توسع هذا النطاق جهد ما تستطيع، ولا تكتفي الجماعات الدولية بمطبوعات هذه اللغة فتعقد الاتفاقات بينها وبين المجلات المشهورة على تخصيص أقسام منها لتعليم (الاسبرانتو) ونشر المترجمات إلى هذه اللغة مع