لبثت مصر منذ الفتح الإسلامي زهاء قرنين ونصف قرن ولاية خلافية، تتوارثها الخلافة أينما حلت؛ الخلافة العامة، فالأموية، فالعباسية. غير أن مصر كانت منذ الفتح تتبوأ بين الولايات الخلافية مركزاً ممتازاً؛ فقد اتخذت قاعدة لفتح إفريقية فالأندلس، وكان ولاتها الأوائل، ولاة لأفريقية؛ وكانت أيضاً، بموقعها الجغرافي، وأهميتها العمرانية مطمع الزعماء المتغلبين يرون فيها ملاذاً منيعاً للحركات الاستقلالية؛ فقد وليها فاتحها عمرو بن العاص ولايته الثانية من قبل معاوية، ولكنه جعل منها وحدة شبه مستقلة، وربما كان في اهتمام عمرو بالبقاء في ولاية مصر وسعيه لدى عثمان في تحقيق غايته، ثم اقتطاعها بعد ذلك من معاوية ثمناً لحلفه ومؤازرته ما يحمل على الاعتقاد بأنه لو ثابت لهذا القائد العظيم والسياسي البارع فرصة ملائمة لأنشأ بمصر لنفسه ولعقبه دولة أو خلافة مستقلة. ولما قام عبد الله بن الزبير بثورته على الخلافة الأموية ألفى في انتزاع مصر طعنة قوية يسددها لصدر الخلافة. ولما تألق نجم بني العباس وسحقت الخلافة الأموية في موقعة الزاب، فر مروان الثاني آخر الخلفاء الأمويين إلى مصر ليتخذها قاعدة للدفاع عن ملكه وتراث أسرته؛ ولعله لم يكن بعيداً عن التفكير في اتخاذ مصر بعد الشام معقلاً للخلافة الأموية وقاعدة لاسترداد تراثها الذاهب لو كتب له الظفر على مطارديه
ولما ضعف سلطان الدولة العباسية وتراخت قبضتها في النواحي، غدت مصر طعمة لطائفة من الحكام الأقوياء، يحكمونها باسم الخلافة، ولكن ينشئون بها دولاً مستقلة، لا تكاد تربطها بالخلافة أية روابط سياسية أو إدارية. وكان ابن طولون أول هذا الثبت من الحكام الأقوياء؛ قدم مصر والياً من قبل الخليفة المعتز سنة ٢٥٤هـ (٨٦٨م)، فلم يلبث أن استخلصها بعزمه وقوة نفسه، وأنشأ بها لنفسه ولعقبه دولة باذخة ترامت حدودها إلى شمال الشام؛ واستمرت مدى ربع قرن تنافس دولة الخلافة في السلطان والبهاء؛ فلما آنست