قرأنا في (الطان) نص المحاضرة الممتعة التي ألقاها السير جون سيمون وزير الخارجية البريطانية، في باريس، وافتتحت بها سلسلة المحاضرات السياسية الكبرى التي نظمتها (الطان) وشهدها رئيس الوزارة الفرنسية وأعضاؤها وأكابر رجال الحكم والسياسة والأدب والفن المال
وكان موضوع محاضرة السيد سيمون طريفاً شائقاً وهو:(بعض خواطر عن النظام الدستوري في بريطانيا العظمى) وقدم السير سيمون إلى الحضور رئيس الوزارة الفرنسية مسيو فلاندان، في كلمة بليغة نوه فيها بالمركز الرفيع الذي يتبوأه المحاضر في عالم السياسة والقانون؛ فهو اليوم عميد السياسة البريطانية، يتناول أقدارها ومصايرها بين يديه، وهو مشترع كبير ومحام بارع يترك وراءه ماضياً حافلاً بأعظم الذكريات
وألقى السير سيمون محاضرته بفرنسية بديعة؛ ولم يلجأ إلى الشروح الفنية أو الفقهية في بسط آرائه، ولكنه عرضها بطريقة واضحة سهلة، محكمة في نفس الوقت؛ واستهلها ببيان حقيقة يجهلها الكثيرون، وهي أنه لا يوجد في الواقع دستور إنكليزي، أو بالحرى لا يوجد دستور إنكليزي مكتوب ومبوب في نصوص ومواد يرجع إليها في تطبيقه؛ ولكن الدستور الإنكليزي عبارة عن مجموعة من القواعد والتقاليد القومية، تكونت مدى القرون وأصبحت مراجع محترمة تتبع بأمانة وإخلاص. ولهذه الخاصة الغريبة مزية قيمة هي المرونة التي تمكن ولاة الأمر من التمشي مع ظروف العصر ومقتضياته بتعديل بعض القواعد والتقاليد بطريقة عملية؛ وضرب السير سيمون مثلا عملياً لتطبيق هذه الخاصة، هو أنك لا تجد مطلقاً في القوانين البريطانية ذكراً للوزارة أو مسئولياتها أو رئيس الوزارة واختصاصه؛ فالوزارة التي تمسك بيدها مصاير الحرب والسلام هي نتيجة تطور دستوري لا يعرف أصله، ومع ذلك فهي تقوم على أصول دستورية معروفة؛ فهي مسئولة أمام البرلمان، ويجب أن يكون أعضاؤها جميعاً من أعضاء البرلمان؛ وأما رئيس الوزارة فليس له ذكر أو مرجع في القوانين الإنكليزية؛ وإقامته لا تستند إلى غير العادة والتقاليد، والمعروف أن