للأستاذ علي الجارم بك شُهرة عريضة بالكرم والجود، وهذه الشهرة
هي التي قضتْ بأن تَكِل إليه وزارة المعارف تحقيق كتاب (البخلاء)
فما كان يمكن الوصول إلى أسرار ذلك الكتاب إلا إذا اضطلع بتحقيقه
رجلٌ خبير بمعاني العرب في العطاء والمنع، والسخاء والشُّح،
وبضدها تتميز الأشياء.
والكرم المأثور عن الجارم هو السبب فيما يقع من تغاضيَّ عن السؤال عنه حين يصطاف بالإسكندرية، فقد كنت أكتفي في تحيته بالسلام على الجدران فراراً من التعرض لكرمه العجاج، وهو كرمٌ قد يطغى فيتلف أمعاء المواهب، وأنا أزهد الناس في هذا الصنف من الجود!
واخطأ من قال إني كنت أتقرب إلى الجارم بترك السلام عليه، وهو قول يُقبل لمعنىً واحد هو توشيته بالبراعة والذكاء ماذا أريد أن أقول؟
أنا أمشي على الشوك في سبيل الوصول إلى عرض القصة الآتية:
منذ آماد طوال دخل الأستاذ سامي عاشور مكتب تفتيش اللغة العربية بوجه مشرق بسام وهو يقول: مبارك يا جارم بك! مبارك يا جارم بك!
فتهلّل وجه الجارم وقال:
- خير، خير!!
- خير جزيل، ولكن هات (الحلاوة)
- يا حلاوة عليك يا سامي بك يا حبيبي يا نور عيني، هات ما عندك هات!
- سيصدر قرار وزير المعارف بعد ثلاثة أيام بترقيتك إلى الدرجة الثانية.
- الدرجة الثانية؟ الله يبشرك بالخير، ما يجيء من الجميل إلا الجميل.
وبعد تروّ لم يطل أكثر من عشر دقائق توكل الجارم على الله وأعلن أن الحلاوة هي وليمة فيها (صيّادية) مطبوخة على أسلوب أهل رشيد!