مرت القرون تترى، والغرب يرمي الشرق بأفلاذ أكباده، ويرصد لكيده أنفس عتاده، ويهيج لقتله غطاريف أجناده، والشرق صامد باسل، صابر على هذا البلاء النازل. . . يا عجبا! هما يتنازعان قبرا، وإن يكن لسيد الحواريين، وكلاهما يؤمن أنه مرفوع، وفي السماء قار. ليس في الأرض مرقده، ولا بين أطباق الثرى جسده. ولولا دفع الله الناس بعضهم لبعض لفسدت الأرض. حكمة الله وسنة الاجتماع، لتتصل الأسباب، وتتم النواميس، وتنمو الحضارات، وتتواصل المدنيات
في القرن الثالث عشر الميلادي، وهذا الأتون لما يخمد، يؤجج الحقد أواره، ويؤرث البغض ناره، كانت تتدانى قلوب بهذا التباعد، وتتعارف نفوس بالتقاطع السائد، ويأبى الله إلا أن يكون هذا الكون خيراً شيب بشر، وشراً حمل خيراً، وأن تكون الحرب ناراً ونوراً
- ٢ -
كان جرمانياً صليبة، أوربياً محضاً، غربياً صرفاً؛ البابا وصيه وهو صغير، والبابا مدبره وهو كبير؛ نشأ في حضن المسيحية، وغذاه حب الكنسية الكاثوليكية، وبورك به طفلا، وفتى وزوجا وأباً، كما توج بها ملكا وأيد منها، فبسط يده أمام المذبح يقسم أن يسير إلى الشرق غازياً، ويخلص قبر المسيح فادياً، ويعز النصرانية في شرقها والغرب: ذلكم فردريك الثاني هو هنشتاوفن، إمبراطور الدولة الرومانية المقدسة، وملك صقلية - ١٢١٢ - ١٢٥٠م -
- ٣ -
لكن الشرق الساحر، بسناه الباهر، ومجده الزاخر، وعقله القاهر، وفنه الفاخر، قد فتن الأنبرور على غربيته؛ واستهواه في أوربيته، وأصباه على جرمانيته، فإذا العاهل شرقي في هواه وميله، شرقي في علمه وفنه، شرقي في مزاجه وذوقه، شرقي في خاصته وجنده؛ وإذا هو لا يبر للكنيسة بقسم، ولا يفي بموعد،. . ثم إذا هو حرب على صاحب مفاتيح